أن الإدراك هو بمعنى الرؤية أولا ، وقد عرفت أن الموجود في لغة العرب أن الإدراك بالبصر عين الرؤية بالبصر لا غير.
الرابع عشر : قوله : « فنفي أحد المتباينين لا يستلزم نفي الآخر » فيرد عليه.
أولا : بالتناقض بقوله : ( وبملاحظة إسناده إلى الأبصار صار بوجه أخص منها ) وذلك لأن النسبة بينهما مع إسناده إلى الأبصار المنفي بذلك الإسناد في صريح الآية عموم وخصوص من وجه لا تباين ، فكيف يزعم هذا المتناقض أن نفي أحد المتباينين في المقام لا يستلزم نفي الآخر ، في حين أن النسبة بينهما عموم من وجه على حدّ زعمه الآخر.
ثانيا : لما عرفت أنهما متساويان بالإسناد إلى البصر في المعنى فنفي أحد المتساويين يستلزم نفي الآخر قطعا. فكلّ ما ليس بإنسان ليس بناطق ، فنفي الإدراك بالبصر المنفي عنه تعالى في الآية نفي لرؤيته بالبصر.
الخامس عشر : قوله : « وكذا نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم ».
فيقال فيه : ليست النسبة بينهما عموما وخصوصا مطلقا لما تقدم ذكره من أن النسبة بينهما بالإسناد إليه تساو ، والغريب في تناقضه أنك تراه تارة يقول إن بينهما تباينا ، ومرة يقول وبملاحظة إسناده إلى الأبصار صار بوجه أخصّ ، وأخرى يقول كما هنا وكذا نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم فأثبت أن بينهما عموما وخصوصا مطلقا ، ولو لم يكن منه إلاّ هذا التناقض لأغنانا عن بطلان مزاعمه.
السادس عشر : قوله : « أما ما يرادف العلم فهو المصطلح لا غير لأن الإدراك بمعنى العلم والإحساس ليس في اللّغة ».
فيقال فيه : إن أراد من نفي كون الإدراك في اللّغة بمعنى العلم والإحساس عدم كونهما مشمولين لمفهوم الإدراك فالمنع فيه أظهر من أن يخفى لصدق الإدراك على العلم والإحساس ، وإن أراد عدم تفسير أهل اللّغة ذلك بهما وإن كان ذلك التفسير صادقا عليهما فلا يفيده شيئا ، لأن الظاهر من حال اللّغويين أنهم يضعون بعض الألفاظ لمعان كلية ومفاهيم عامة صادقة على أفرادها من غير أن