فلو كان ذلك من السّفاهة كما يزعم الخصم لزمه نسبة السّفاهة إلى الله تعالى لأنه أوجب ذلك عليهم وألزمهم بالطاعة للأنبياء عليهمالسلام وامتثال أوامر الأئمة عليهمالسلام وكتب عليهم إقامة الصّلاة وإيتاء الزكاة لأهلها وفرض عليهم الجهاد في سبيل الله إلى غير ما هنالك من الواجبات التي ألزمهم بفعلها والمحرمات التي نهاهم عن ارتكابها ، وهو تعالى يعلم بعصيان عاصيها وترك تاركيها وجحد جاحديها ، فإذا كان جحدها وعصيانها موجبين لسفاهة الأمر بها والنهي عنها كان خذلان النّاس للأئمة عليهمالسلام وقتلهم الخلفاء عليهمالسلام وإعراضهم عنهم أيضا موجبة لسفاهة نصبهم وتعيينهم ، وإذا كان قتلهم الأنبياء عليهمالسلام وتحقيرهم لهم عليهمالسلام وتكذيبهم وعصيانهم وعدم إطاعتهم موجبة لسفاهة إرسالهم وبعثهم وتعيينهم كان عصيانهم للأئمة من آل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وقتلهم لهم وخذلانهم وعصيانهم موجبة لسفاهة تعيينهم ونصبهم ، لأن الجميع من واد واحد وحكمه واحد ولا أحسب أن أحدا على الإطلاق من أي ملّة ودين ومن أي عنصر يكون فضلا عن كونه يدين بدين الإسلام يتجرأ أن يزعم أن عصيان النّاس وجحدهم لأوامر الله تعالى وقتلهم الأنبياء عليهمالسلام والأئمة وخذلانهم لهم يقتضي ألاّ يأمرهم الله تعالى بشيء ولا ينهاهم عن شيء ولا يرسل لهم أنبياء ولا ينصب بعدهم أئمة وخلفاء لأن القول بذلك خروج عن الأديان كلّها.
نعم يجوز ذلك كلّه عند خصم الشيعة ، لذا تراه يقول بكلّ اطمئنان : ( إن غلبة المخالفين ) (١) للأئمة عليهمالسلام وخذلانهم لهم وعصيانهم لأمرهم تقتضي ألاّ يجب على الله تعالى نصبهم ولا تعيينهم ، لأن ذلك من السّفاهة على حدّ زعمه ، ويقابل هذا كما قدّمنا القول فيه إن غلبة المخالفين للأنبياء عليهمالسلام وخذلانهم لهم وعصيانهم لأوامرهم بل وقتلهم لهم تقتضي أيضا ألاّ يجب على الله نصبهم ولا تعيينهم ولا إرسالهم ، لأن ذلك أيضا من السّفاهة وإلاّ لكان الواجب عليه تعالى تأيّيدهم دائما وإظهارهم على مخالفيهم أبدا ـ كما لا يزعم الخصم ـ المتجرئ على الله تعالى بنسبة السّفاهة إليه وهذا هو الكفر بعينه.
__________________
(١) إن حديث : ( لا تزال طائفة من أمتي قائمة بالحقّ لا يضرّها من خالفها وخذلها ) أوضح دليل على صحة ما نقول وبطلان ما يقول ، وقد تقدم ذكره عن صحيح البخاري وغيره من الصحاح فلتراجع.