المؤلف : أما اعتبار الأفضلية في الإمام من الرعية كافة فمما جاء به الكتاب والسنّة والعقل.
أما الكتاب ، فقوله تعالى : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) [ يونس : ٣٥ ] فالآية صريحة الدلالة على أن المحتاج في الهداية إلى غيره لا يصح اتباعه ولا يصلح أن يكون هاديا للآخرين ، والعقل بفطرته يحكم بأن فاقد الشيء لا يعطيه والناقص لا يكون مكملا ، فالجاهل لا يعطي العلم والمحتاج إلى الهداية لا يكون هاديا وهلمّ جرا ، ولا شك في أن الجاهل محتاج إلى العالم والمفضول محتاج إلى الفاضل فضلا عن الأفضل ، ومن القبيح أن ينسب إلى اللّطيف الخبير تقديم الجاهل أو المفضول المحتاجين إلى التكميل على العالم والفاضل الكامل.
وأما السنّة : فقول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الصحيح المتواتر نقله في الصحاح : ( يؤمكم أفضلكم ) وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( يؤمكم أكثركم قرآنا ) وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( يؤمكم أقرؤكم ) أي أعلمكم ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( أعلم النّاس بعدي عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ) وقال فيه : ( عليّ أقضاكم ) وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم فيه : ( أكثرهم علما وأعظمهم حلما وأولهم سلما ) (١) فيتعيّن أن يكون ذلك فيه لا في غيره كما مرّ.
أمّا العقل ، فحاكم بقبح تعظيم الجاهل أو المفضول وإهانة العالم والفاضل ، وفي تقديم الجاهل أو المفضول على العالم والفاضل رفع لمرتبة الجاهل أو المفضول ، وخفض لمرتبة العالم والفاضل وذلك إهانة لهما قطعا ، وكيف يحسن عند العقل أن ينقاد الأعلم والأزهد والأتقى والأشرف حسبا ونسبا وحلما وشجاعة وكرما وتدبيرا إلى غير ما هنالك من الخصال العالية والأخلاقية الرفيعة التي هي شر أكيد في الإمام على الأمة بإجماع المسلمين ، والتي توفرت
__________________
(١) نجد هذه الأحاديث في فضائل عليّ عليهالسلام وترجمته في كلّ من الإصابة لابن حجر العسقلاني ، والرياض النضرة للمحبّ الطبري ، والمستدرك للحاكم النيسابوري والذهبي في تلخيصه ، والمتقي الهندي في منتخب كنز العمال بهامش الجزء الخامس من مسند أحمد ، وفي كنز العمال وغيرهم من حفاظ أهل السنّة.