فمدخول من وجوه :
الأول : إن اتصاف ذات الفعل بصفة من جهة واتصافه بأخرى من جهة أخرى ليس من باب استلزام صدور الأثرين المتضادين من مؤثر واحد ، ولا قائل بأن ذات الفعل من حيث هي بلحاظها أولا وبالذات تكون حسنة وقبيحة حتى يلزم منه صدور أثرين متضادين من مؤثر واحد كما توهمه الآلوسي ، وإنّما هو من صدور الأثرين المتضادّين من مؤثرين لأن المؤثر في حسنه هو ذلك الإعتبار والمؤثر في قبحه اعتبار آخر ، ومع الاختلاف في الاعتبار يكون ذلك من باب صدور الأثرين من مؤثرين ولا محذور فيه إطلاقا ، ولكن الآلوسي لما خلط بين كون الشيء حسنا باعتبار لأنه مؤثر في حسنه وقبيحا باعتبار آخر لأنه مؤثر في قبحه وبين كون الشيء الواحد بذاته يكون حسنا وقبيحا بلحاظه الأوليّ بنى على خلطه هذا البناء المنهار على رأسه.
فالقائلون بالتحسين والتقبيح العقليّين لا يقولون إن الشّيء من حيث هو يكون حسنا وقبيحا حتّى يستلزم تلك اللّوازم الباطلة في زعم الخصوم ، وإنّما يقولون إنّ العقل إذا ما أدرك حسن فعل لجهة اقتضت حسنه فإنه يحكم بحسنه ، وإذا ما أدرك قبح شيء لصفة اقتضت قبحه فإنه يحكم بقبحه ، فما هذر به الآلوسي كلّه خارج عن الموضوع يحاول به إرهاب قلوب الزعانف ليقال فيه إنه فنّد أقوال الشّيعة بأدلّة عقلية دون أن يشعر هو ويشعرون بأنه لم يأت بغير التخليط الّذي لا قوام له ولا يقوى به إلاّ على من اختلط عقله.
الثاني : إنّ ما زعمه هاهنا لا يتفق مع المثال الّذي جاء به من ضرب اليتيم ظلما وتأديبا ، وذلك لاختلاف الفعل فيه من جهتين كلّ واحدة منهما موجبة لأثرها ، لأن العقل يدرك قبح ضربه ظلما فيحكم بقبحه لهذه الجهة ويحكم بحسنه تأديبا لجهة أخرى لا صلة لها بتلك الجهة التي حكم من أجلها بقبحه ، وليس في هذا ما يقتضي أن يكون الضّرب بذاته حسنا وقبيحا ليكون منشأ جاء به من دعوى اجتماع النقيضين في واحد ، وتخلّف المعلّول عن علّته ، والترجيح بلا مرجح وغير ذلك مما هو معلوم الخروج عن الموضوع أصلا وفرعا ، نعم يلزم القول