وسائر الملّيّين على أنّه ليس من جملة الأدلّة ما يختلج في ضمائر آحاد الثّقات أو العلماء ويحكم به عقولهم ؛ فإنّه وإن وجب عليهم الاعتقاد به والعمل بمقتضاه كما وجب نحوه أيضا على سائر النّاس فيما أدركته عقولهم ، إلاّ أنّه ليس حجّة على غيرهم من العلماء ، بل فائدته مقصورة على أنفسهم وعلى مقلّديهم حيث وجب تقليدهم عليهم. ولقد نادى المصنّفون منهم بذلك في كتبهم ، وضرورة العقل أيضا تشهد بذلك ؛ إذ يستحيل على الله تعالى أن يجعل الأحكام الشّرعيّة المحكمة المنزلة في كتبه المكرمة المبنيّة على الحكم الباهرة والمصالح الخفيّة والظّاهرة منوطة بعقائد النّاس وأهوائهم مع عدم عصمتهم وشدّة اختلافهم واضطراب آرائهم » (١).
إلى أن قال ـ بعد جملة كلام له في الاستشهاد لما ذكره ـ :
إذا تمهّد ذلك فاعلم : أنّ الوجه في حجيّة الإجماع المنقول باعتبار المنكشف والتّعويل على النّتيجة المتقدّمة لا يخلو من أمور متقاربة :
الأوّل : أنّ الإجماع الكاشف من الحجج المنصوبة ـ لمعرفة أحكام الشّريعة ـ له وجود في الخارج ونفس الأمر كالسّنة ، فكما وجب العمل بالمعلوم منه بالتّحصيل أو التّواتر فكذا بالمظنون منه بنقل الثّقة لاقتضاء انسداد باب العلم وغيره من أدلّة حجيّة خبر الواحد ذلك كما قرّر في محلّه.
وفيه : أنّه إنّما يستقيم باعتبار السّنة عندنا في نقل نفس الاتّفاق المأخوذ في صغرى القياس ، وقد بيّنا جواز الاكتفاء في معرفته بنقل الثّقة مع مراعات ما مرّ
__________________
(١) المصدر السابق : ٤١١.