الأوّل هو التّخيير في المسألة الفقهيّة دون الأصوليّة ؛ على أنّ مرجع ذلك إلى التّخيير بين اعتقاد الوجوب وعدمه ، ولا معنى لجواز اعتقاد الوجوب ، ومع ذلك فلا تعارض بين الاعتقادين حتّى يستلزم التّخيير أرجحيّة أحدهما ؛ فإنّ الاعتقاد بجواز العمل بالأصل قبل العثور على الدّليل لا ينافي الاعتقاد بجواز العمل بخبر الواحد بعد العثور عليه ولا سبيل إلى منع الوجوب وإثبات الجواز مع الاستحباب ويرتفع التّنافي ، وبعد بقاء التّكليف بالأحكام وجواز الاستنباط من خبر الواحد يلزم وجوب العمل به من باب المقدّمة ، ولا يجدي في صحّة التّخيير ؛ كون الاستنباط حينئذ من الأصل ؛ إذ العمل بالأصل إنّما يصحّ عند تعذّر معرفة الحكم بغيره.
والثّاني تخيير في المسألة الفقهيّة وهو يؤدّي إلى اجتماع المتنافيين ؛ فإنّ جواز الواجب أو استحبابه غير معقول ، وجعله من باب التّخيير بين العمل بالخبرين المتعارضين أو فتوى المجتهدين غير مستقيم ؛ لأنّ ذلك تخيير عند الاضطرار ، بخلاف المقام فإنّ الآية واردة في حق الحاضرين المتمكنين من معرفة الأحكام ، إلاّ أنّ التخيير هناك إرشاد لطريق العمل ، لا لمعرفة أنّ أحدهما هو الحكم الشّرعي بالخصوص ». انتهى ملخّصا (١).
__________________
(١) الفصول الغرويّة : ٢٧٣.