قلت : قد عرفت ممّا مرّ : أنّ الظّن بما هو ظنّ ليس طريقا إلى الحكم بتفريغ الذّمّة فمجرّد الظّن بالواقع ليس قاضيا بالظّن بتفريغ الذّمة في حكم الشرع مع قطع النّظر عن قيام دليل على حجيّة ذلك الظّن لوضوح عدم حصول التّفريغ به كذلك ، وإنّما يحتمل حصوله به من جهة احتمال قيام الدّليل على حجيّته ومن البيّن تساوي احتمال قيام الدّليل المذكور وعدمه في نظر العقل فتتساوى نسبة الحجيّة وعدمها إليه.
فدعوى الاستلزام المذكور ، فاسدة جدّا. كيف! ومن الواضح عدم استلزام الظّن بالواقع الظّن بحجيّة ذلك الظّن ولا اقتضائه له ، فكيف يعقل حصول الظّن به من جهته؟
نعم ، إنّما يستلزم الظّن بالواقع الظّن بتفريغ الذّمة بالنّظر إلى الواقع لا في حكم المكلّف الّذي هو مناط الحجيّة والمقصود في المقام حصول الظّن به في حكمه ؛ إذ قضيّة الدّليل المذكور حجيّة ما يظنّ من جهته بتفريغ الذّمة في حكم الشرع بعد انسداد سبيل العلم به ، وهو إنّما يتبع الدّليل الظّني القائم على حجيّة الطّرق الخاصّة ولا يحصل من مجرّد تحصيل موضوع الظّن بالواقع لما عرفت من وضوح كون الظّن بالواقع شيئا والظّن بحجيّة ذلك الظّن شيئا آخر ولا ربط له بذلك الظّن (١).
__________________
(١) قال العلاّمة الأصولي حفيد هداية التقي أعلى الله تعالى مقامهما الشريف :