وقد عرفت : أن ما يتراءى من استلزام الظّنّ بالواقع ، الظّن بتفريغ الذّمّة ؛ نظرا إلى أن المكلّف به هو الواقع ، إنّما يصح بالنّسبة إلى الواقع ؛ حيث أنّه يساوق الظّن بالواقع ، الظّن بتفريغ الذّمة بالنّسبة إليه عند أدائه كذلك ، وذلك غير الظّن بتفريغ الذّمة في حكم المكلّف.
كيف! والظّن المذكور حاصل في القياس أيضا بعد قيام الدّليل على عدم حجيّته ؛ فإنّه إذا حصل منه الظّن بالواقع فقد حصل منه الظّن بفراغ الذّمة بالنّظر إلى الواقع عند أداء الفعل كذلك ، إلاّ أنّ الظّن المفروض كالظّن المتعلّق بنفس الحكم ممّا لا اعتبار له بنفسه ، وقد قام الدّليل الشّرعي هناك أيضا على عدم اعتباره.
فظهر ممّا قررناه : أنّ الإيراد المذكور إنّما جاء من جهة الخلط بين الوجهين وعدم التّميز بين الاعتبارين ، وممّا يوضح ما قلناه : أنّ الظّن بالملزوم لا يمكن أن يفارق الظّن باللاّزم ، فبعد دعوى الملازمة بين الأمرين ، كيف يعقل استثناء ما قام الدّليل على خلافه؟ والقول بأنّه بعد قيام الدّليل القطعي يعلم الانفكاك ، ومع قيام الدّليل الظّني يظنّ ذلك فيه ، هل ذلك إلاّ الانفكاك بين اللاّزم والملزوم؟
__________________
القائم مقامه ».
وإن أراد به غيره فهو حقّ ، ولكن المستدلّ يقول بقيام الظنّ مقامه بحكم العقل عند إنسداد باب العلم ولا يقول بما جعله لغوا صرفا أعني : مجرّد تطبيق العمل على الطريق مع قطع النظر عن حكم الشارع ).
أنظر وقاية الأذهان : ٥٧٩ ـ ٥٩٠.