.................................................................................................
______________________________________________________
وأمّا ذيل الخبر الثاني فلا إشكال في أن مورده الندب ولكن قوله : «ورأيت من سأل أبا جعفر (عليه السلام) وذلك أوّل ليلة من شهر رمضان إلخ» ليس من تتمة الخبر ولا يرتبط بصدره ولا يصح أن يكون قرينة له ، بل هو خبر مستقل آخر وذلك لأنّ هذا الكلام «ورأيت من سأل أبا جعفر (عليه السلام)» لا يمكن أن يكون من كلام أبي الحسن موسى (عليه السلام) ، فإنه (عليه السلام) ولد بعد أربعة عشر عامّاً من وفاة أبي جعفر الباقر (عليه السلام) (١) ، فالظاهر أن قائل هذا الكلام هو الراوي وهو عبد الرحمن فيكون خبراً مستقلا مروياً عن أبي جعفر (عليه السلام) وارداً في الندب اندمج أحدهما بالآخر ولا يرتبط بصدره فلا يصلح لكونه قرينة له.
وبالجملة : ظاهر الخبرين الصحيحين هو الحج الواجب ، وبهما نقيد العمومات المانعة عن المتعة لأهل مكّة ، فالنتيجة جواز التمتّع له وإن كان الإفراد أفضل وأحب.
ثمّ إنّه لو سلمنا عدم ظهور الصحيحين في الحج الواجب فلا أقل من إطلاقهما للواجب والمندوب خصوصاً الصحيحة التي رواها الكليني (٢) مع اختصاصهما بإرادة الحج من الخارج ، كما لا ريب في إطلاق ما دلّ على المنع من التمتّع الواجب لأهل مكّة من جهة إرادة الحج من مكّة أو من خارجها ، فمقتضى إطلاق الصحيحين جواز التمتّع له حتى في الحج الواجب من الخارج ، كما أن مقتضى إطلاق ما دلّ على أنه لا متعة لأهل مكّة عدم جواز التمتّع له وإن حج من الخارج ، ويتعارض الإطلاقان من الطرفين ويتساقطان ، ولا يمكن الرجوع إلى إطلاق الآية الكريمة (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) لأنها في جانب الأخبار المعارضة ، وحينئذ لا يكون إطلاق الآية مرجعاً ولا مرجحاً لأحد الطرفين كما توهّمه السيّد في الرياض ، وقد ذكرنا تفصيل الأمر في الترجيح بالكتاب في مبحث التعادل والترجيح في علم الأُصول (٣).
__________________
(١) توفي الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام) سنة ١١٤.
(٢) في الكافي ٤ : ٣٠٠ / ٥.
(٣) لاحظ مصباح الأُصول ٣ : ٤٠٨.