.................................................................................................
______________________________________________________
وهي الإطلاقات الدالّة على كفاية درك الموقف ولو آناً ما. على أنه يمكن حمل تلك الروايات المتضاربة على التقية وغيرها من المحامل.
ومنهم من حمل الروايات على التخيير ، فيعمل بجميع الروايات مخيراً ، وزعم أن هذا ممّا تقتضيه القاعدة بدعوى أن العمل بالروايات إذا كان ممكناً ولو على نحو التخيير فلا مجال للتعارض والتساقط.
ويرد عليه : أنه إن أراد بالتخيير التخيير في المسألة الأُصولية باعتبار تعارض الروايات ففيه : أن التخيير لم يثبت في تعارض الأخبار كما حققناه في محلِّه (١). على أن التخيير الأُصولي وظيفة المجتهد لا العامي ، لأنّ التخيير الأُصولي في المقام يرجع إلى التخيير في الحجية وذلك وظيفة المجتهد ، فيفتي على طبق إحداها مخيراً ويعمل المقلد العامي على طبق فتواه.
وإن أراد بالتخيير أن الجمع العرفي يقتضي ذلك كالأمر بالقصر والإتمام مع العلم بأنه لا تجب صلاتان في يوم واحد ، فحينئذ يحمل الأمر في كلّ منهما على التخيير ونرفع اليد عن ظهور كل منهما في التعيين ، لأنّ الأمر لا يدل على الوجوب التعييني بالوضع وإنّما يدل عليه بالإطلاق ، فإذا ورد الأمر بالقصر في مورد فيستفاد الوجوب منه كما يستفاد أنه تعييني بالإطلاق ، فإذا ورد في مورده أمر آخر بالتمام كان الحال فيه كما في الأوّل غير أنه يرفع اليد عن إطلاق كل منهما بالآخر ، ونتيجة ذلك هي التخيير وهذا هو المراد من الجمع العرفي بين الأمرين ، ولكن لا يمكن تطبيق ذلك على ما نحن فيه ، لأنّ الروايات متعارضة نفياً وإثباتاً ومعه كيف يمكن حمل الروايات على التخيير.
وبعبارة اخرى : لو كانت الروايات مشتملة على الإثبات ووجوب شيء فقط أمكن حملها على التخيير بالبيان المتقدّم ، وأمّا إذا كانت مشتملة على الإثبات والنفي معاً فلا يمكن حملها على التخيير ، ونصوص المقام (٢) كذلك ، لقوله في بعضها : «إذا قدمت مكّة يوم التروية وقد غربت الشمس فليس لك متعة» ، وفي بعضها : «يقدم
__________________
(١) مصباح الأُصول ٣ : ٤٢٣.
(٢) المتقدّمة في ص ٢٣٥.