قبل هذه الحالة ، أو المعجزة ، بما قد تقدّم من الآيات عند وفدة المنذر (وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) طائعين لأمر سليمان.
وقيل : هو من كلام سليمان وقومه ، عطفوه على جوابها ، لما فيه من الدلالة على إيمانها بالله ورسوله ، حيث جوّزت أن يكون ذلك عرشها تجويزا غالبا ، وعلمت أن إحضاره من المعجزات الّتي لا يقدر عليها غير الله ، ولا تظهر إلّا على يد الأنبياء عليهمالسلام ، أي : وأوتينا العلم بالله وقدرته ، وصحّة ما جاء به من عند الله قبل مجيئها طائعة ، أو قبل علمها بصحّة الإسلام ، وكنّا مخلصين لله بالتوحيد ، منقادين لحكمه ، ولم نزل على دين الإسلام. ويكون غرضهم فيه التحدّث بما أنعم الله عليهم من التقدّم في ذلك ، شكرا لله.
(وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ) أي : ومنعها عبادتها الشمس عن التقدّم إلى الإسلام قبل ذلك. أو صدّها الله عن عبادتها بالتوفيق للإيمان ، أو سليمان عمّا كانت تعبد ، أي : عن عبادتها ، بتقدير حذف الجارّ وإيصال الفعل. وعلى الأوّل مرفوع المحلّ بالفاعليّة.
ثمّ استأنف الكلام وقال : (إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) من قوم يعبدون الشمس ، قد نشأت فيما بينهم ، فلم تعرف إلّا عبادة الشمس.
ولمّا اختبر سليمان رزانة عقلها ورجاحة فطانتها ، أراد أن يعرف ما قالت الجنّ من أنّها شعراء الساقين ، ورجلها كحافر الحمار ، فأمر قبل قدومها فبني له على طريقها قصر صحنه من زجاج أبيض ، وأجرى من تحته الماء ، وألقى فيه من دوابّ البحر السمك وغيره ، ليتعرّف ساقها ورجلها حين تكشف عنهما ، إذ تدخل فيه ظنّا منها أنّه ماء. ولمّا تمّ القصر على الطريق المذكور ، أمر أن يوضع سريره في صدره ، فجلس عليه ، وعكف عليه الطير والجنّ والإنس.
ولمّا جاءت بلقيس (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ) القصر. وقيل : عرصة الدار.