(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ) في النسب (صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) بأن اعبدوه (فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ) ففاجؤا التفرّق والاختصام ، فآمن فريق وكفر فريق ، ويقول كلّ فريق : الحقّ معي. والواو لمجموع الفريقين.
(قالَ) للفريق المكذّب (يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ) بالعقوبة الّتي تسوء صاحبها ، فتقولون : آتنا بما تعدنا من العذاب (١) (قَبْلَ الْحَسَنَةِ) قبل التوبة ، فتؤخّرونها إلى نزول العذاب ، فإنّهم كانوا يقولون لجهلهم : إنّ العقوبة الّتي يعدها صالح ، إن وقعت على زعمه وصدق إيعاده تبنا حينئذ واستغفرنا ، زاعمين أنّ التوبة من الشرك مقبولة في ذلك الوقت ، وإن لم تقع فنحن على ما نحن عليه.
فخاطبهم صالح على حسب قولهم واعتقادهم. ثمّ قال لهم : (لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ) هلّا تطلبون مغفرته من الشرك ، بأن تؤمنوا بالله وحده قبل نزول العذاب (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) بقبولها ، فإنّها لا تقبل حين نزول العقوبة ، فهذا تنبيه لهم على الخطأ فيما قالوه ، وتجهيل فيما اعتقدوه.
روي : أنّ الرجل منهم كان يخرج مسافرا ، فيمرّ بطائر فيزجره ، فإن مرّ سانحا (٢) تيمّن ، وإن مرّ بارحا تشاءم. ولهذا (قالُوا اطَّيَّرْنا) أي : تشاء منا (بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) إذ تتابعت علينا الشدائد من القحط وغير ذلك ، أو وقع بيننا الافتراق مذ اخترعتم دينكم. فلمّا نسبوا الخير والشرّ إلى الطائر ، استعير لما كان سببهما من قدر الله وقسمته ، أو من عمل العبد الّذي هو السبب في الرحمة والنقمة.
ولمّا قالوا : اطّيّرنا بكم (قالَ) صالح مطابقا لكلامهم : (طائِرُكُمْ) أي : سببكم الّذي جاء منه شرّكم (عِنْدَ اللهِ) وهو قدره. ومنه قول العرب : طائر الله لا طائرك ، أي : قدر الله الغالب الّذي ينسب إليه الخير والشرّ ، لا طائرك الّذي تتشاءم
__________________
(١) إشارة إلى الآية (٧٧) من سورة الأعراف : (وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ).
(٢) السانح : الّذي يأتي من جانب اليمين ، ويقابله البارح ، وهو الّذي يأتي من جانب اليسار. والعرب تتيمّن بالسانح ، وتتشاءم بالبارح.