وإنّما طلب المعاونة حرصا على القيام بالطاعة. ورتّب استدعاء ضمّ أخيه إليه وإشراكه له في الأمر على الأمور الثلاثة : خوف التكذيب ، وضيق القلب انفعالا عنه ، وازدياد الحبسة في اللسان بانقباض الروح إلى باطن القلب عند ضيقه بحيث لا ينطلق ، لأنّها إذا اجتمعت مسّت الحاجة إلى معين يقوّي قلبه وينوب منابه متى تعتريه حبسة ، حتى لا تختلّ دعوته ، ولا تنقطع حجّته ، وليس ذلك تعلّلا منه وتوقّفا في تلقّي الأمر ، بل طلبا لما يكون معونة على امتثاله وتمهيد عذره فيه.
وقرأ يعقوب : ويضيق ... ولا ينطلق ، بالنصب عطفا على «يكذّبون». والفرق بين القراءتين معنى : أن الرفع يفيد أن فيه ثلاث علل : خوف التكذيب ، وضيق الصدر ، وامتناع انطلاق اللسان. والنصب على أن خوفه متعلّق بهذه الثلاثة. وفيه : أنّ الخوف إنّما يلحق الإنسان لأمر سيقع ، وعدم انطلاق اللسان كان واقعا ، فكيف جاز تعليق الخوف به؟ وأجيب : بأنّه قد علّق الخوف بتكذيبهم وبما يحصل له بسببه ، من ضيق الصدر والحبسة في اللسان زائدة على ما كان به.
(وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ) أي : تبعة ذنب. فحذف المضاف ، أو سمّي باسمه. والمراد قتل القبطي. وهو خبّاز فرعون ، واسمه فاتون ، أي : لهم عليّ دعوى ذنب. (فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) به قبل أداء رسالتك. وهو أيضا ليس تعلّلا ، وإنّما هو استدفاع للبليّة المتوقّعة ، كما أنّ ذلك استمداد واستظهار في أمر الدعوة.
(قالَ كَلاَّ فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (١٥) فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (١٧) قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (١٩) قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠)