ثمّ بيّن سبحانه قدرته على الإعادة والبعث بما احتجّ به على الكفّار ، فقال : (أَلَمْ يَرَوْا) ليتحقّق لهم التوحيد ، ويرشدهم إلى تجويز الحشر وبعثة الرسل (أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ) عن التعب والحركات (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) لتقلّبهم فيه في المكاسب ، فإنّ تعاقب النور والظلمة على وجه مخصوص غير متعيّن بذاته ، لا يكون إلّا بقدرة قاهرة. وأنّ من قدر على إبدال الظلمة بالنور في مادّة واحدة ، قدر على إبدال الموت بالحياة في موادّ الأبدان. وأنّ من جعل النهار ليبصروا فيه سببا من أسباب معاشهم ، لعلّه لا يخلّ بما هو مناط جميع مصالحهم في معاشهم ومعادهم.
واعلم أنّ أصل الكلام في قوله : (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) : ليبصروا فيه ، بقرينة التقابل ، فبولغ فيه بجعل الإبصار حالا من أحواله المجعول عليها ، بحيث لا ينفكّ عنها.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) لدلالتها على أنّ من قدر على خلق الليل والنهار لانتفاع العباد ، لقدر على إعادة الموتى وبعثهم يوم المعاد ، لإثابتهم وتعذيبهم على وفق الأعمال.
(وَيَوْمَ يُنْفَخُ) واذكر يوم ينفخ إسرافيل بأمر الله (فِي الصُّورِ) وهو قرن ينفخ فيه شبه البوق. وعن الحسن وقتادة : المراد صور الخلق ، جمع صورة ، كصوفة وصوف ، أي : يوم تنفخ الأرواح في الصور. والأوّل قد ورد في الحديث. وقيل : إنّه تمثيل لانبعاث الموتى بانبعاث الجيش إذا نفخ في البوق.
(فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) من الهول. وعبّر عنه بالماضي لتحقّق وقوعه ، فإنّ الفعل الماضي يدلّ على وجود الفعل ، وكونه مقطوعا به ، وأنّه كائن لا محالة. (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) أن لا يفزع ، بأن يثبت الله قلبه ، من الملائكة.
قيل : هم : جبرئيل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وعزرائيل ، صلوات الله عليهم.