وهو حال من إحدى التاءين. ويجوز أن يكون حكما مبتدأ عليه ، بأنّه من الكافرين بإلهيّته ، أو بنعمته ، لمّا عاد عليه بالمخالفة. أو من الّذين كانوا يكفرون في دينهم.
(قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) أي : الذاهبين عن أنّ الوكزة تفضي إلى قتله ، لأنّه قصد به التأديب ، وقد يسمّى الذاهب عن الشيء أنّه ضالّ عليه. ويجوز أن يريد : أنّي ضللت عن فعل المندوب إليه من الكفّ عن القتل في تلك الحالة ، فأفوز بمنزلة الثواب.
وقيل : معناه : الذاهبين عن طريق الصواب ، لأنّي ما تعمّدته ، وإنّما وقع منّي خطأ ، كمن رمى طائرا فيصيب إنسانا.
وقيل : من الضالّين عن النبوّة ، أي : لم يوح إليّ تحريم قتله.
وقيل : الناسين ، من قوله : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) (١).
وبهذا القول كذّب موسى فرعون ، ودفع الوصف بالكفر عن نفسه ، بأن وضع الضالّين موضع الكافرين.
(فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ) منك ومن ملئك المؤتمرين بقتلي (لَمَّا خِفْتُكُمْ) أي : ذهبت من بينكم إلى مدين ، حذرا على نفسي أن يقتلوني قودا عن القبطي (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً) علما بما تدعو إليه الحكمة. وهو الّذي وهبه الله تعالى لموسى من التوراة ، والعلم بالحلال والحرام وسائر الأحكام. وقيل : نبوّة. وصرّح به بقوله : (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ).
ردّ بذلك ما وبّخه به قدحا في نبوّته. ثمّ أنكر امتنانه عليه بالتربية ، وأبى أن يسمّي نعمته نعمة ، بأن بيّن أنّ حقيقة إنعامه عليه تعبيد بني إسرائيل ، فقال : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) أي : وتلك التربية نعمة تمنّها عليّ بها
__________________
(١) البقرة : ٢٨٢.