ثمّ طليت امّ موسى داخل التابوت بالقار (١) ، فوضعت موسى فيه وألقته في النّيل ، والنيل جاء بالتابوت إلى موضع فيه فرعون وامرأته على النيل.
(فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) أي : أصابوه وأخذوه من غير طلب (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً). وقرأ حمزة والكسائي : وحزنا. وهما لغتان ، كالعدم والعدم. تعليل لالتقاطهم إيّاه بما هو عاقبته ومؤدّاه ، تشبيها له بالغرض الحامل عليه. فمعنى التعليل فيها ورد على طريق المجاز دون الحقيقة ، فإنّه لم يكن داعيهم إلى الالتقاط أن يكون لهم عدوّا وحزنا ، ولكنّ المحبّة والتبنّي ، إلّا أنّه لمّا كان ذلك نتيجة التقاطهم وثمرته ، شبّه بالداعي الّذي يفعل الفاعل الفعل لأجله ، كالإكرام الّذي هو نتيجة المجيء ، والتأدّب الّذي هو ثمرة الضرب ، في قولك : جئتك لتكرمني ، وضربته ليتأدّب. وتحريره : أنّ هذه اللام حكمها حكم الأسد ، حيث استعيرت لما يشبه التعليل ، كما يستعار الأسد لمن يشبه الأسد.
(إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ) في كلّ شيء. فليس الخطأ ببدع منهم في أن قتلوا ألوفا لأجله ، ثمّ أخذوه يربّونه ليكبر ويفعل بهم ما كانوا يحذرون. والجملة معترضة لتأكيد خطئهم.
وقيل : المعنى : كانوا مذنبين ، فعاقبهم الله تعالى بأن ربّى عدوّهم على أيديهم. فتكون الجملة لبيان الموجب لما ابتلوا به.
روي : أنّهم حين التقطوا التابوت عالجوا فتحه فلم يقدروا عليه ، فعالجوا كسره فأعياهم. فدنت آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، فرأت في جوف التابوت نورا ، فعالجته ففتحته ، فإذا بصبّي نوره بين عينيه ، وهو يمصّ إبهامه لبنا ، فألقى الله في قلبها محبّة موسى. وكانت لفرعون بنت برصاء من آسية ، وقالت له الأطبّاء : لا تبرأ إلّا من قبل البحر ، يوجد فيه شبه إنسان دواؤها ريقه. فلطخت البرصاء برصها
__________________
(١) القار والقير : مادّة سوداء تطلى بها السفن.