ثمّ ذكر سبحانه لطف صنعه في تسخيره لفرعون ، حتّى تولّى تربية موسى عليهالسلام ، فقال : (وَقالَتْ) امّ موسى (لِأُخْتِهِ) مريم. وعن الضحّاك : كلثمة.
(قُصِّيهِ) اتّبعي اثره ، وتتبّعي خبره. فذهبت فوجدت آل فرعون أخرجوا التابوت وأخرجوا موسى. (فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ) عن جنابة ، بمعنى : عن بعد (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أنّها تقصّ ، أو أنّها أخته. وإنّما كرّر هذا القول ، تنبيها على أنّ فرعون لو كان إلها لكان يشعر بهذه الأمور.
(وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ) التحريم هنا استعارة للمنع ، لأنّ من حرّم عليه الشيء فقد منعه. فالمعنى : ومنعناه أن يرتضع من ثدي المرضعات. جمع مرضع.
وهي المرأة الّتي ترضع. أو جمع مرضع. وهو الرضاع ، أو موضعه ، يعني : الثدي. (مِنْ قَبْلُ) من قبل قصصها اثره.
(فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ) لأجلكم. (وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ) لا يقصّرون في إرضاعه وتربيته. والنصح إخلاص العمل من شائبة الفساد.
روي : أنّها لمّا قالت : (وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ) قال هامان : إنّها لتعرفه وتعرف أهله ، خذوها حتّى تخبر بحاله.
فقالت : إنّما أردت : وهم للملك ناصحون. فأمسكوا عنها.
فأمرها فرعون بأن تأتي بمن يكفله. فانطلقت إلى امّها فأخبرتها بأمرهم.
فأتت بها ، وموسى على يد فرعون يبكي لطلب الرضاع ، وهو يعلّله شفقة عليه.
فلمّا وجد ريح امّه استأنس والتقم ثديها.
فقال لها : من أنت منه ، فقد أبى كلّ ثدي إلّا ثديك؟
فقالت : إنّي امرأة طيّبة الريح ، طيّبة اللبن ، لا أوتى بصبي إلّا قبلني.
فدفعه إليها ، وأجرى عليها. فرجعت به إلى بيتها من يومها.
فأنجز الله وعده في الردّ. وهو قوله تعالى : (فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها)