(قالَتا) إنّا امرأتان ضعيفتان مستورتان ، لا نقدر على مساجلة (١) الرجال ومزاحمتهم ، وما لنا رجل يقوم بذلك ، فلأجل ذلك (لا نَسْقِي) أي : نؤخّر السقي (حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) تصرف الرعاة مواشيهم عن الماء. وحذف المفعول ، لأنّ الغرض هو بيان ما يدلّ على عفّتهما ، ويدعوه إلى السقي لهما. والرعاء : اسم جمع ، كالرخال للأناثى من أولاد الضأن. والجمع الرعاء بالكسر. وقرأ أبو عمرو وابن عامر : يصدر ، أي : ينصرف.
(وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ) كبير السنّ ، قد أضعفه الكبر ، فلا يستطيع أن يخرج للسقي ، فيرسلنا اضطرارا. وفيه تعريض للطلب من موسى أن يعينهما على السقي.
وقيل : إنّما قالتا ذلك اعتذارا إلى موسى في الخروج بغير محرم.
(فَسَقى لَهُما) مواشيهما رحمة عليهما.
وروي : أنّ الرعاة كانوا يضعون على رأس البئر حجرا ، لا يقلّه إلّا سبعة رجال ـ وقيل : عشرة ، وقيل : أربعون ، وقيل : مائة ـ فأقلّه وحده ، مع ما كان به من الوصب والجوع وجراحة القدم.
وروي : أنّه سألهم دلوا من ماء ، فأعطوه دلوهم وقالوا : استق بها لو أمكنك.
وكانت لا ينزعها إلّا أربعون. فاستقى بها ، وصبّها في الحوض ، ودعا بالبركة ، وروّى غنمهما وأصدرهما. وروي : أنّه دفعهم عن الماء حتّى سقى لهما.
وقيل : كانت بئرا اخرى عليها الصخرة ، فرفعها فاستقى منها. وإنّما فعل هذا رغبة في المعروف ، وإغاثة للملهوف. (ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِ) ظلّ شجرة ، فجلس تحتها من شدّة الحرّ وهو جائع (فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما) لأيّ شيء (أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ
__________________
(١) السجل : الدلو إذا كان فيه ماء. وساجله مساجلة : باراه وفاخره وعارضه في قول أو عمل. والمعنى : لا نقدر على معارضة الرجال ومزاحمتهم.