أجناسها.
(قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) منشئهما ومبدعهما (وَما بَيْنَهُمَا) وما بين الجنسين من سائر الممكنات الجسمانيّة والعرضيّة. عرّفه ببيان أظهر خواصّه وآثاره ، وأنّه ليس بشيء ممّا شوهد وعرف من الأجرام والأعراض ، وإنّما هو شيء مخالف لجميع الأشياء ، ليس كمثله شيء.
(إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) الأشياء محقّقين لها ، علمتم أنّ هذه الأجرام المحسوسة ممكنة ، لتغيّر أحوالها ، فلا بدّ لها من مبدئ واجب لذاته ، وذلك المبدئ لا بدّ وأن يكون مبدئا لسائر الممكنات. ولا يمكن تعريفه إلّا بلوازمه الخارجيّة ، لامتناع التعريف بنفسه وبما هو داخل فيه ، لاستحالة التركيب في ذاته.
فلمّا أجاب موسى بما أجاب ، تعجّب فرعون وقومه من جوابه ، حيث نسب الربوبيّة إلى غيره (قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ) من أشراف قومه. قيل : كانوا خمسمائة رجل عليهم الأساور. (أَلا تَسْتَمِعُونَ) جوابه؟ سألته عن حقيقته وهو يذكر أفعاله. أو يزعم أنّه ربّ السماوات ، وهي واجب التحرّك بذواتها ، كما هو مذهب الدهريّة ، أو غير معلوم افتقارها إلى مؤثّر.
(قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) عدولا إلى ما لا يمكن أن يتوهّم فيه مثله ، ويشكّ في افتقاره إلى مصوّر حكيم ، ويكون أقرب إلى الناظر ، وأوضح عند التأمّل.
(قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) أسأله عن شيء ، ويجيبني عن آخر. وسمّاه رسولا على السخريّة.
(قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما) تشاهدون كلّ يوم أنّه يأتي بالشمس من المشرق ، ويحرّكها على مدار غير مدار اليوم الّذي قبله ، حتّى يبلغها إلى المغرب ، على وجه نافع ينتظم به أمور الكائنات (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) إن كان لكم عقل علمتم أن لا جواب لكم فوق ذلك.
فعمّم موسى أوّلا في أفعاله تعالى. ثمّ خصّص من العامّ للبيان أنفسهم