أو بتقدير حذف المضاف ، أي : أيّام معيشتها. وإمّا بتضمين «بطرت» معنى : كفرت وغمطت. والبطر سوء احتمال الغنى ، وهو أن لا يحفظ حقّ الله فيه.
(فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ) إشارة إلى ما يعرفونه من ديار عاد وثمود وقوم لوط ، أي : صارت مساكنهم خاوية خالية عن أهلها ، وهي قريبة منكم ، فإنّ ديار عاد إنّما كانت بالأحقاف ، وهو موضع بين اليمن والشام ، وديار ثمود بوادي (١) القرى ، وديار قوم لوط بسدوم ، وكانوا هم يمرّون بهذه المواضع في تجاراتهم.
(لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ) من السكنى (إِلَّا قَلِيلاً) زمانا قليلا ، إذ لا يسكنها إلّا المارّة يوما أو بعض يوم. أو من شؤم معاصي المهلكين ، لم يبق من سكنها من أعقابهم إلّا قليلا. (وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ) المالكين لتلك المساكن من ساكنيها ، أي : تركناها على حال لا يسكنها أحد يتصرّف فيها.
(وَما كانَ رَبُّكَ) وما كانت عادته (مُهْلِكَ الْقُرى) في كلّ وقت (حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها) في القرية الّتي هي أصلها ، والقرى الّتي ما سواها من توابعها ، لأنّ أهلها تكون أفطن وأنبل. (رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) لإلزام الحجّة وقطع المعذرة ، مع علمه أنّهم لا يؤمنون. أو وما كان في حكم الله وسابق قضائه ، أن يهلك القرى في الأرض حتّى يبعث في أمّ القرى ـ يعني : مكّة ـ رسولا ، وهو محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
(وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) لنفوسهم ، بتكذيب الرسل ، والعتوّ في الكفر.
وهذا بيان لعدله وتقدّسه عن الظلم ، حيث أخبر بأنّه لا يهلكهم إلّا إذا استحقّوا الإهلاك بظلمهم ، ولا يهلكهم مع كونهم ظالمين إلّا بعد تأكيد الحجّة والإلزام ببعثة الرسل ، ولا يجعل علمه بأحوالهم حجّة عليهم. ونزّه ذاته أن يهلكهم
__________________
(١) وادي القرى : واد بين المدينة والشام ، من أعمال المدينة ، كثير القرى. وسدوم : بلدة من أعمال حلب ، ومن مدائن قوم لوط.