ومعنى الكلّيّة : الكثرة ، كقوله : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) (١). (رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا) فإذا خوّلهم الله ما خوّلهم من الأمن والرزق بحرمة البيت وهم كفرة ، فكيف يعرّضهم للخوف والتخطّف ، إذا ضمّوا إلى حرمة البيت حرمة التوحيد؟! (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) جهلة لا يتفطّنون له ، ولا يتفكّرون ليعلموا ذلك.
وقيل : إنّه متعلّق بقوله : «من لدنّا» أي : قليل منهم يتدبّرون ، فيعلمون أنّ ذلك رزق من عند الله ، إذ لو علموا لما خافوا غيره.
وانتصاب «رزقا» على المصدر من معنى : يجبى. كأنّه قيل : ويرزق ثمرات كلّ شيء رزقا. أو حال من الثمرات ، بمعنى مرزوقا ، لتخصّصها بالإضافة ، كما تنتصب عن النكرة المتخصّصة بالصفة. أو مفعول له.
ثمّ خوّفهم من سوء عاقبة قوم كانوا في مثل حالهم ، من إنعام الله عليهم بالرقود في ظلال الأمن وخفض العيش ، فغمطوا (٢) النعمة ، وقابلوها بالأشر والبطر ، فقال : (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ) من أهل قرية (بَطِرَتْ مَعِيشَتَها) بأن أعرضوا عن الشكر وتكبّروا. يعني : أعطيناهم المعيشة الواسعة ، فلم يعرفوا حقّ النعمة وكفروا ، فأهلكناهم.
وانتصابها إمّا بحذف الجارّ وإيصال الفعل ، كقوله تعالى : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) (٣). وإمّا على الظرف بنفسها ، بدون حذف الجارّ ، كقولك : زيد ظنّي مقيم (٤).
__________________
(١) النمل : ٢٣.
(٢) غمط النعمة : لم يشكرها. والأشر والبطر : شدّة المرح ، والاستخفاف بالنعمة ، وصرفها إلى غير وجهها طغيانا.
(٣) الأعراف : ١٥٥.
(٤) أي : في ظنّي.