ولمّا كانت الرغبة المفرطة في الزخارف الدنيويّة الفانية ، والتعلّق التامّ بها ، مانعة عن التوجّه إلى الله ، وإلى الأحكام الدينيّة ، والتزوّد للآخرة ، وموجبة للحرمان عن الوصول إلى الدرجات الباقية ، والمراتب السرمديّة ، رغّب الله تعالى عنها العباد بقوله : (وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ) وأيّ شيء أصبتموه من أسباب الدنيا (فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها) فإنّما هو تمتّع وزينة تتمتّعون وتتزيّنون به أيّاما قلائل ، وهي مدّة الحياة المنقضية ، ومع ذلك متضمّن للتبعيض وأنواع الكدورات.
(وَما عِنْدَ اللهِ) وهو ثوابه الأبدي (خَيْرٌ) في نفسه من ذلك ، لأنّه خالص عن شوب التنغّص ، وبهجة كاملة. (وَأَبْقى) لأنّه أبديّ (أَفَلا تَعْقِلُونَ) فتستبدلون الّذي هو أدنى بالّذي هو خير. وقرأ أبو عمرو بالياء. وهو أبلغ في الموعظة.
وعن ابن عبّاس : إنّ الله تعالى خلق الدنيا وجعل أهلها ثلاثة أصناف : المؤمن ، والمنافق ، والكافر. فالمؤمن يتزوّد ، والمنافق يتزيّن ، والكافر يتمتّع.
ولمّا كانت الآية الّتي تلي هذه الآية كالنتيجة لها رتّبت عليها بالفاء ، فقال : (أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً) أي : وعدا بالجنّة الّتي هي أحسن المحاسن وأنفع المنافع ، فإنّ حسن الوعد بحسن الموعود (فَهُوَ لاقِيهِ) فهو مدركه لا محالة ، لامتناع الخلف في وعده. ولذلك عطفه بالفاء المعطية معنى السببيّة.
(كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) الّذي هو مشوب بالآلام ، مكدّر بالمتاعب ، مستعقب بالتحسّر على الانقطاع (ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) للحساب ، أو العذاب. ونحوه : (لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) (١). (فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) (٢). و «ثمّ» للتراخي في الزمان أو الرتبة.
وقرأ نافع وابن عامر في رواية والكسائي : ثمّ هو بسكون الهاء ، تشبيها
__________________
(١) الصافّات : ٥٧ و ١٢٧.
(٢) الصافّات : ٥٧ و ١٢٧.