المتقدّمة ، ولذلك خلت عن العاطف. وكذا قوله : (ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) أي : لم يكونوا يعبدوننا ، وإنّما كانوا يعبدون أهواءهم. وقيل : «ما» مصدريّة متّصلة بـ «تبرّأنا» أي : تبرّأنا من عبادتهم إيّانا.
(وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) ويقال للأتباع : أدعوا الّذين عبدتموهم من دون الله ، وزعمتم أنّهم شركائي ، لينصروكم ويدفعوا عنكم العذاب.
(فَدَعَوْهُمْ) من فرط الحيرة (فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) لعجزهم عن الإجابة والنصرة (وَرَأَوُا الْعَذابَ) لازما بهم (لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) لوجه من الحيل يدفعون به العذاب. أو إلى الحقّ ـ وهو الإيمان ـ لمّا رأوا العذاب. وقيل : «لو» للتمنّي ، أي : تمنّوا أنّهم كانوا مهتدين.
(وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) عطف على الأوّل ، فإنّه تعالى يسأل أوّلا عن إشراكهم به ، ثمّ عن تكذيبهم الأنبياء. فإنّ الله سبحانه حكى أوّلا ما يوبّخهم به من اتّخاذهم له شركاء. ثمّ ما يقوله الشيطان أو أئمّتهم عند توبيخهم ، لأنّهم إذا وبّخوا بعبادة الآلهة ، اعتذروا بأنّ الشياطين هم الّذين استغووهم وزيّنوا لهم عبادتها. ثمّ ما يشبه الشماتة بهم ، من استغاثتهم آلهتهم ، وخذلانهم لهم ، وعجزهم عن نصرتهم. ثمّ ما يبكّتون به ، من الاحتجاج عليهم بإرسال الرسل وإزاحة العلل.
(فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ) فخفيت عليهم الأخبار عمّا أجابوا به رسلهم (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة. فصارت الأنباء كالعمى عليهم جميعا ، لا تهتدي إليهم.
وأصل الكلام : فعموا عن الأنباء ، أي : صاروا كالعمي ، لانسداد طرق الأخبار عليهم ، كما ينسدّ طرق الأرض على العمي ، لكنّه عكس مبالغة. وتعدية الفعل بـ «على» لتضمّنه معنى الخفاء. وسمّيت حججهم أنباء ، لأنّها أخبار يخبر بها ، فهم لا يحتجّون ولا ينطقون بحجّة.
وإذا كانت الرسل يتتعتعون في الجواب عن مثل ذلك من الهول ، ويفوّضون