وروي : أنّه لمّا بلغ جحفة في مهاجره اشتاق إلى مولده ومولد آبائه وحرمهم.
فنزل جبرئيل فقال له : أتشتاق إلى مكّة؟ قال : نعم. فأوحي هذه الآية إليه.
ولمّا وعد الله رسوله الردّ إلى معاد ، قال تقريرا لهذا الوعد : (قُلْ) للمشركين : (رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى) وما يستحقّه من الثواب والنصر في معاده. يعني : به نفسه. و «من» منتصب بفعل يفسّره «أعلم». (وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) وما يستحقّه من العذاب والإضلال. يعني به المشركين.
وقرّر الوعد إلى معاد بقوله : (وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ) أي : سيردّك إلى معادك ، كما ألقى إليك الكتاب وما كنت ترجوه (إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) ولكن ألقاه رحمة منه. ويجوز أن يكون استثناء متّصلا محمولا على المعنى. كأنّه قال : وما ألقي إليك الكتاب إلّا رحمة.
(فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ) بمداراتهم ، والتحمّل عنهم ، والإجابة إلى طلبتهم.
(وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ) عن قراءتها والعمل بها (بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ) بعد وقت إنزاله إليك (وَادْعُ) أمّتك (إِلى رَبِّكَ) إلى عبادته وتوحيده (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) بمساعدتهم.
وهذا للتهييج وقطع أطماع المشركين عن مساعدته لهم. وكذا قوله : (وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) إلّا ذاته ، فإنّ ما عداه ممكن هالك في حدّ ذاته ، زائل معدوم (لَهُ الْحُكْمُ) القضاء النافذ في الخلق (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) للجزاء بالحقّ.