(قالَ لَهُمْ مُوسى) بعد ما لقالوا له : (إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) (١) (أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ) لم يرد به أمرهم بالسحر والتمويه ، بل الإذن في تقديم ما هم فاعلوه لا محالة ، توسّلا به إلى إظهار الحقّ.
(فَأَلْقَوْا) فطرحوا (حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ) بعلوّ منزلته وفرط قوّته (إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ) أقسموا بعزّته على أنّ الغلبة لهم ، لفرط اعتقادهم في أنفسهم ، أو لإتيانهم بأقصى ما يمكن أن يؤتى به من السحر.
هذا من أقسام الجاهليّة. وفي الإسلام لا يصحّ الحلف إلّا بالله تعالى ، أو ببعض أسمائه وصفاته. وفي الحديث : «لا تحلفوا إلّا بالله ، ولا تحلفوا بالله إلّا وأنتم صادقون».
(فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ) تبتلع. وقرأ حفص : تلقف بالتخفيف.
(ما يَأْفِكُونَ) ما يقلبونه عن وجهه وحقيقته بتمويههم وتزويرهم ، فيخيّلون حبالهم وعصيّهم أنّها حيّات تسعى. أو إفكهم ، تسمية للمأفوك به مبالغة.
(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) لما بهرهم ما أظهره موسى عليهالسلام ، من قلب العصا حيّة ، وتلقّفها جميع ما أتعبوا به نفوسهم فيه ، وعلموا أنّ مثله لا يتأتّى بالسحر ، ولا يقدر عليه أحد من البشر ، بل من عند الله الخالق للقوى والقدر.
وفيه دليل على أنّ منتهى السحر تمويه وتزوير ، يخيّل شيئا لا حقيقة له. وأن التبحّر في كلّ فنّ نافع.
وإنّما بدّل الخرور بالإلقاء ليشاكل ما قبله ، ويدلّ على أنّهم لمّا رأوا ما رأوا ، لم يتمالكوا أن رموا بأنفسهم إلى الأرض ساجدين ، بل كأنّهم أخذوا فطرحوا على وجوههم. وفاعل الإلقاء هو الله عزوجل بما خوّلهم من التوفيق ، أو معاينة المعجزة الباهرة.
__________________
(١) الأعراف : ١١٥.