إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) الفعلة البالغة في القبح (ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) جملة مستأنفة ، مقرّرة لفحاشة تلك الفعلة. كأنّ قائلا قال : لم كانت فاحشة؟ فقيل له : لأنّ أحدا قبلهم لم يقدم عليها ، اشمئزازا منها في طباعهم ، لإفراط قبحها ، حتّى أقدم عليها قوم لوط ، لخبث طينتهم ، وقذر طباعهم.
(أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ) وتتعرّضون للسابلة بالقتل وأخذ الأموال ، أو بالفاحشة ، حتّى انقطعت الطرق. أو تقطعون سبيل النسل بالإعراض عن النساء.
(وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) في مجالسكم الغاصّة بأهلها. ولا يقال : النادي إلّا ما دام فيه أهله ، فإذا قاموا عنه لم يبق ناديا. والمنكر هو : اللواط ، والتضارط ، وكشف العورات ، وحلّ الإزار من الأقبية (١) ، والخذف بالحصى ، والرمي بالبنادق ، والفرقعة ، والسباب ، والفحش في المزاح ، والسخريّة بمن مرّ بهم ، وضرب الدفوف والمزامير ، وغير ذلك من أنواع القبائح.
(فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فيما تعدنا من نزول العذاب. أو في استقباح ذلك. أو في دعوى النبوّة المفهومة من التوبيخ.
(قالَ رَبِّ انْصُرْنِي) بإنزال العذاب (عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ) الّذين يفسدون الناس بحملهم على ما كانوا عليه من الفواحش وأنواع المعاصي طوعا وكرها.
ولأنّهم ابتدعوا الفاحشة ، وسنّوها فيمن بعدهم. وصفهم بذلك مبالغة في استنزال العذاب ، وإشعارا بأنّهم أحقّاء بأن يعجّل لهم العذاب.
__________________
(١) الأقبية جمع القباء. وهو ثوب يلبس فوق الثياب. والخذف بالحصاة : الرمي بها من بين سبّابتيه. وفرقع الأصابع فرقعة : أنقضها.