لننزلنّهم (مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً) علالي (١) عاليات. وقرأ حمزة والكسائي : لنثوينّهم ، أي : لنقيمنّهم. من الثواء ، وهو النزول للإقامة. يقال : ثوى في المنزل ، وأثوى غيره ، فثوى غير متعدّ. وإذا تعدّى بزيادة همزة النقل لم يتجاوز مفعولا واحدا ، نحو : ذهبت وأذهبت. والوجه في تعديته إلى ضمير المؤمنين وإلى الغرف ، إمّا إجراؤه مجرى : لننزلنّهم. أو حذف الجارّ وإيصال الفعل. أو تشبيه الظرف الموقّت بالمبهم.
عن ابن عبّاس : لنسكننّهم غرف الدرّ والزبرجد والياقوت.
(تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) يبقون فيها ببقاء الله (نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) والمخصوص بالمدح محذوف ، دلّ عليه ما قبله ، أي : نعم أجر العاملين الغرف وجري الماء من تحتها على سبيل الخلود والتأبيد.
(الَّذِينَ صَبَرُوا) على أذيّة المشركين ، ومفارقة الأوطان والهجرة ، وغيرها من أنواع المحن والمشاقّ (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) تقديم الظرف للحصر ، أي : لا يتوكّلون إلّا على الله في مهمّات أمورهم ومهاجرة دورهم.
قيل : إنّهم لمّا أمروا بالهجرة ، قال بعضهم : كيف نقدم بلدة ليس لنا فيها معيشة؟ فنزلت : (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ) وكم نفس دبّت على وجه الأرض (لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) لا تطيق حمل رزقها ، لضعفها عنه. أو لا تدّخره ، وإنّما تصبح ولا معيشة عندها.
عن ابن عبّاس : إنّ الحيوان أجمع ، من البهائم والطيور وغيرهما ممّا يدبّ على وجه الأرض ، لا تدّخر القوت لغدها ، إلّا ابن آدم والنملة والفأرة ، بل تأكل منه قدر كفايتها فقط.
(اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ) أي : إنّها مع ضعفها وتوكّلها ، وإنّكم مع قوّتكم واجتهادكم ، سواء في أنّه لا يرزقها وإيّاكم إلّا الله ، لأنّ رزق الكلّ بأسباب ، هو
__________________
(١) علالي جمع العلّيّة. وهي : بيت منفصل عن الأرض ببيت ونحوه.