الشريفة في موضع خسيس ، وهو عبادة الأصنام. ثمّ ذكر توجيه أهل البدعة والضلالة لهذه الآية المتقنة ، قائلا : «قال أهل السنّة : هذا الوضع كان بمشيئة الله وإرادته ، لكنّه صدر عنهم ، فأضيف إليهم» (١) انتهى كلامه.
وحاصله : أنّهم حملوا الإسناد على المجاز دون الحقيقة. ومرادهم أنّه سبحانه أراد الظلم وعبادة الأوثان من بعض البريّة.
ولا يخفى فساده على من له أدنى مسكة ودرية ، ولكن لا حيلة لمن حاد (٢) عن الجادّة النبويّة إلّا القول بنحو هذه التأويلات الرديّة ، وإثبات دينه بمشتبهات السنّة. فسحقا لهم ؛ تأوّلوا الآية المحكمة لإثبات الظلم للحضرة المقدّسة. وأيم الله هم العادلون عن الكتاب والسنّة ، المتابعون للأهواء المضلّة ، الظالمون الّذين أشار سبحانه إلى عاقبتهم بقوله :
(ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى) أي : عاقبتهم العقوبة أو الخصلة السوأى. فوضع الظاهر موضع الضمير ، للدلالة على ما اقتضى أن تكون تلك عاقبتهم ، وأنّهم جاءوا بمثل أفعالهم. والسّوأى تأنيث الأسوأ ، بمعنى الأقبح ، كالحسنى. أو مصدر ، كالبشرى ، نعت به.
والمعنى : أنّهم عوقبوا في الدنيا بالدمار ، ثمّ كانت عاقبتهم العقوبة الّتي هي أسوأ العقوبات وأقبحها في الآخرة ، وهي جهنّم الّتي أعدّت للكافرين.
(أَنْ كَذَّبُوا) لأن كذّبوا (بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ) فـ «أن» منصوب المحلّ على العلّة. ويجوز أن يكون بدلا أو عطف بيان للسوأى. أو خبر «كان» و «السوأى» مصدر : أساؤا ، أو مفعوله ، بمعنى : ثمّ كان عاقبة الّذين اقترفوا الخطيئة أن طبع الله على قلوبهم حتّى كذّبوا الآيات واستهزؤا بها. أو تكون «السوأى» صلة
__________________
(١) تفسير غرائب القرآن ٥ : ٤٠٤.
(٢) أي : مال وعدل.