ثمّ احتجّ سبحانه على عبدة الأوثان ، فقال : (ضَرَبَ) بيّن (لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ) أي : مثلا منتزعا من أحوالها الّتي هي أقرب الأمور إليكم ، فإنّ «من» هنا للابتداء.
ثمّ بيّنه بقوله : (هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) «من» للتبعيض ، أي : بعض مماليككم (مِنْ شُرَكاءَ) مزيدة لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي (فِي ما رَزَقْناكُمْ) من الأموال وغيرها (فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ) فتكونون أنتم وهم فيه على السويّة ، من غير تفضيل بين حرّ وعبد ، فيتصرّفون فيه كتصرّفكم (تَخافُونَهُمْ) أن يستبدّوا بالتصرّف فيه دونكم (كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) كما يخاف الأحرار بعضهم بعضا ، فإنّ الرجل الحرّ يخاف شريكه الحرّ في المال يكون بينهما أن يتفرّد دونه فيه بأمر يخاف من شريكه. فإذا لم ترضوا بذلك لأنفسكم ، فكيف ترضون لربّ الأرباب ومالك الأحرار والعبيد ، أن تجعلوا بعض عبيده له شركاء؟! (كَذلِكَ) مثل ذلك التفصيل (نُفَصِّلُ الْآياتِ) نبيّنها ، فإنّ التمثيل ممّا يكشف المعاني ويوضحها ، لأنّه بمنزلة التصوير والتشكيل لها. (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) يستعملون عقولهم في تدبّر الأمثال.
(بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) بالإشراك (أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) جاهلين لا يكفّهم شيء ، فإنّ العالم إذا اتّبع هواه ربما ردعه علمه.
(فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ) فمن يقدر على هداية من خذله ، ولم يلطف به ، لعلمه أنّه ممّن لا يؤثّر اللطف فيه؟ أو فمن يهدي إلى الثواب والخير من أضلّه الله عن ذلك؟ والأشاعرة حملوا الإضلال على خلق الضلال في المكلّف. تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
(وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) يخلّصونهم من الضلالة ، ويحفظونهم عن آفاتها. أو ينصرونهم ويدفعون عنهم عذاب الله إذا حلّ بهم.