بالصفار (١) ضجّوا وكفروا بنعمته ، وكان عليهم أن يصبروا على بلائه ولم يكفروا. فهم في جميع هذه الأحوال على الصفات المذمومة.
ولمّا كان هكذا حالهم في عدم التدبّر فيما ينفعهم في خاتمتهم ، قال سبحانه لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) أي : هم مثل الموتى ، لمّا سدّوا عن الحقّ مشاعرهم (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) إذا أعرضوا عن أدلّتنا ، ذاهبين إلى الضلال والفساد ، غير سالكين سبيل الرشاد. قيّد الحكم به ، ليكون أشدّ استحالة ، فإنّ الأصمّ المقبل وإن لم يسمع الكلام ، يفطن منه بواسطة الحركات شيئا.
(وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ) يعني : أنّهم كالعمي لا يهتدون بالأدلّة ، ولا تقدر على ردّهم عن العمى ، إذ لم يطلبوا الاستبصار. فسمّاهم عميا لفقدهم المقصود الحقيقي من الإبصار ، أو لعمى قلوبهم.
(إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) يصدّق بآياتنا وأدلّتنا ، فإنّ إيمانهم يدعوهم إلى تلقّي اللفظ وتدبّر المعنى. ويجوز أن يراد بالمؤمن المشارف للإيمان. (فَهُمْ مُسْلِمُونَ) منقادون لما يأمرهم.
(اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (٥٤) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (٥٥) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ
__________________
(١) أي : الصفرة : والصفارة : ماذوي من النبات وذبل.