فقالت الملائكة بصوت لا يراهم : لم يا لقمان؟
قال : لأنّ الحكم أشدّ المنازل وآكدها ، يغشاه الظلم من كلّ مكان ، إن وقي فبالحريّ أن ينجو ، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنّة. ومن يكن في الدنيا ذليلا وفي الآخرة شريفا ، خير من أن يكون في الدنيا شريفا وفي الآخرة ذليلا. ومن يختر الدنيا على الآخرة تفته الدنيا ولا يصيب الآخرة.
فتعجّبت الملائكة من حسن منطقه. فنام نومة فاعطي الحكمة ، فانتبه يتكلّم بها.
ثمّ كان يؤازر داود بحكمته. فقال له داود : طوبى لك يا لقمان! أعطيت الحكمة ، وصرفت عنك البلوى.
وعن ابن المسيّب : كان أسود من سودان مصر خيّاطا. وعن مجاهد : كان عبدا أسود ، غليظ الشفتين ، متشقّق القدمين. قيل له : ما أقبح وجهك؟ قال : تعتب على النقش ، أو على فاعل النقش؟
وقيل : كان نجّارا. وقيل : راعيا كما مرّ. وقيل : كان يحتطب لمولاه كلّ يوم حزمة. وعنه أنّه قال لرجل ينظر إليه : إن كنت تراني غليظ الشفتين فإنّه يخرج من بينهما كلام رقيق ، وإن كنت تراني أسود فقلبي أبيض.
وروي : أنّ رجلا وقف عليه في مجلسه فقال : ألست الّذي ترعى معي في مكان كذا؟ قال : بلى. قال : ما بلغ بك ما أرى؟ قال : صدق الحديث ، والصمت عمّا لا يعنيني.
وروي : أنّه دخل على داود وهو يسرد الدرع ، وقد ليّن الله له الحديد كالطين ، فأراد أن يسأله فأدركته الحكمة فسكت ، فلمّا أتمّها لبسها. وقال : نعم لبوس الحرب أنت. فقال : الصمت حكمة وقليل فاعله. فقال له داود : بحقّ ما سمّيت حكيما.
وروي : أنّ داود قال له يوما : كيف أصبحت؟ فقال : أصبحت في يد غيري.