وعليك بالدعاء ما دمت خاليا. وإيّاك والسير في أوّل الليل إلى آخره. وإيّاك ورفع الصوت في مسيرك».
وقال أبو عبد الله عليهالسلام : «والله ما أوتي لقمان الحكمة لحسب ، ولا مال ، ولا بسط في جسم ، ولا جمال ، ولكنّه كان رجلا قويّا في أمر الله ، متورّعا في الله ، ساكنا سكينا ، عميق النظر ، طويل التفكّر ، حديد البصر. لم ينم نهارا قطّ. ولم يتّكئ في مجلس قوم قطّ. ولم يتفل في مجلس قطّ. ولم يضحك من شيء قطّ.
ولم يعبث بشيء قطّ. ولم يره أحد من الناس على بول ولا غائط ، ولا على اغتسال ، لشدّة تستّره وتحفّظه في أمره. ولم يغضب قطّ مخافة الإثم في دينه. ولم يمازح إنسانا قطّ. ولم يفرح بشيء أوتيه من الدنيا ، ولا حزن منها على شيء قطّ.
وقد نكح من النساء ، وولد له الأولاد الكثيرة. وقدّم أكثرهم أفراطا (١) ، فما بكى على موت أحد منهم. ولم يمرّ بين رجلين يقتتلان أو يختصمان إلّا أصلح بينهما ، ولم يمض عنهما حتّى تحاجزا. ولم يسمع قولا استحسنه من أحد قطّ إلّا سأله عن تفسيره ، وعمّن أخذه.
وكان يكثر مجالسة الفقهاء والعلماء. وكان يغشى القضاة والملوك والسلاطين. فيرثي (٢) للقضاة بما ابتلوا به. ويرحم الملوك والسلاطين ، لعزّتهم بالله ، وطمأنينتهم في ذلك. ويتعلّم ما يغلب به نفسه ، ويجاهد هواه ، ويحترز من السلطان.
وكان يداوي نفسه بالتفكّر والعبر. وكان لا يظعن (٣) إلّا فيما ينفعه ، ولا ينظر إلّا فيما يعنيه. فلذلك أوتي الحكمة ، كما قال سبحانه : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ).
__________________
(١) الأفراط والفرط : الولد يموت صغيرا. يقال : سبقه فرط كثير ، أي : ولد ماتوا ولم يدركوا.
(٢) أي : يرقّ لهم ويرحمهم.
(٣) أي : لا يسير ولا يرحل.