ذلك علوّا كبيرا. فيكفي لوجود الكلّ تعلّق إرادته الواجبة مع قدرته الذاتيّة ، كما قال : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (١).
(إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) يسمع كلّ مسموع (بَصِيرٌ) يبصر كلّ مبصر في حالة واحدة ، لا يشغله إدراك بعضها عن بعض ، فكذلك الخلق والبعث. أو يسمع ما يقوله القائلون في ذلك ، بصير بما يضمرونه.
ثمّ نبّه على قدرته على ذلك بقوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي) كلّ من النيّرين يجري في فلكه (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) معلوم ، الشمس إلى آخر السنة ، والقمر إلى آخر الشهر. وقيل : إلى يوم القيامة ، لأنّه لا ينقطع جريهما إلّا حينئذ. والفرق بينه وبين قوله : «لأجل مسمّى» : أنّ الأجل هاهنا منتهى الجري ، وثمّ غرضه الحاصل في الغايات.
(وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) عالم بكنهه. فدلّ سبحانه بالليل والنهار ، وتعاقبهما ، وزيادتهما ، ونقصانهما ، وجري النيّرين في فلكيهما ، أنّ كلّ ذلك على تقدير وحساب ، وبإحاطته بجميع أعمال الخلق على عظم قدرته وحكمته.
(ذلِكَ) إشارة إلى الّذي ذكر من سعة العلم ، وشمول القدرة ، وعجائب الصنع ، وغرائب الحكمة الّتي يعجز عنها الأحياء القادرون العالمون ، فكيف بالجماد الّذي تدعونه من دونه (بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) بسبب أنّه الثابت في ذاته ، الواجب من جميع جهاته. أو الثابت إلهيّته.
(وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ) المعدوم في حدّ ذاته ، لا يوجد ولا يتّصف إلّا بجعله. أو الباطل إلهيّته. وقرأ البصريّون والكوفيّون غير أبي بكر بالياء.
__________________
(١) النحل : ٤٠.