بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣))
واعلم أنّه سبحانه لمّا ختم سورة لقمان بدلائل الربوبيّة ، افتتح هذه السورة أيضا بها ، فقال :
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم) مبتدأ إن جعل اسما للسورة أو القرآن ، خبره (تَنْزِيلُ الْكِتابِ) على أنّ التنزيل بمعنى المنزل. وإن جعل تعديدا للحروف ، كان «تنزيل» خبر مبتدأ محذوف ، أو مبتدأ خبره (لا رَيْبَ فِيهِ) أي : لا مدخل للريب في أنّه تنزيل الله ، لإعجازه. وحينئذ (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) يكون حالا من الضمير في «فيه» لأنّ المصدر لا يعمل فيما بعد الخبر.
ويجوز أن يكون خبرا ثانيا ، و (لا رَيْبَ فِيهِ) حال من الكتاب أو اعتراض ، والضمير في «فيه» لمضمون الجملة. كأنّه قيل : لا ريب في كونه منزلا من ربّ العالمين.
ويؤيّده قوله : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) فإنّه إنكار لكونه من ربّ العالمين. وهذا إمّا قول متعنّت ، مع علمه أنّه من الله ، لظهور الإعجاز له. أو جاهل يقوله قبل التأمّل والنظر. وقوله : (بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) فإنّه تقرير أنّه منزل من الله.
وهذا أسلوب صحيح ، ونظر جميل غاية الحسن ، فإنّه أشار إلى إعجازه ، ثمّ أثبت أنّ تنزيله من ربّ العالمين ، ثمّ قرّر ذلك بنفي الريب عنه ، ثمّ أضرب عن ذلك