الشفيع ينصر المشفوع له ، فإذا خذلكم لم يبق لكم وليّ ولا ناصر. فهو كقوله : (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (١).
(أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) تتفكّرون فيما قلناه ، وتعتبرون به ، فتعلموا صحّة ما بيّنّاه لكم.
(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ) يدبّر أمر الدنيا بأسباب سماويّة ، كالملائكة وغيرها ، نازلة آثارها إلى الأرض (ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ) ثمّ يصعد إليه ويثبت في علمه موجودا (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ) لو ساره غير الملك (مِمَّا تَعُدُّونَ) ممّا يعدّه البشر ، أي : في برهة من الزمان متطاولة. يعني بذلك استطالة ما بين التدبير والوقوع.
وقيل : يدبّر الأمر بإظهاره في اللوح ، فينزل به الملك ، ثمّ يعرج إليه في زمان هو كألف سنة ، لأنّ مسافة نزوله وعروجه مسيرة ألف سنة ، فإنّ ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة لابن آدم.
وقيل : يقضي أمر الدنيا كلّها من السماء إلى الأرض ، لكلّ يوم من أيّام الله ، وهو ألف سنة ، فينزل به الملك ، ثمّ يعرج بعد الألف لألف آخر.
وقيل : يدبّر المأمور به من الطاعات منزلا من السماء إلى الأرض بالوحي ، ثمّ لا يعمل به ولا يعرج إليه ذلك المأمور به خالصا كما يرتضيه إلّا في مدّة متطاولة ، لقلّة المخلصين ، وقلّة الأعمال الخلّص الصاعدة ، لأنّه لا يوصف بالصعود إلّا الخالص. ودلّ عليه قوله على أثره : (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) (٢).
وقيل : يدبّر أمر الدنيا من السماء إلى الأرض إلى أن تقوم الساعة ، ثمّ يعرج إليه ذلك الأمر كلّه ـ أي : يصير إليه ـ ليحكم في يوم كان مقداره ألف سنة ،
__________________
(١) البقرة : ١٠٧.
(٢) السجدة : ٩.