(وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ) بل هي حصينة ، رفيعة السمك (إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً) من القتال.
(وَلَوْ دُخِلَتْ) المدينة ، أو بيوتهم (عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها) جوانبها. يعني : لو دخلت العساكر المتحزّبة الّتي يفرّون خوفا منها ، مدينتهم أو بيوتهم من نواحيها كلّها ، وانثالت (١) على أهاليهم وأولادهم ناهبين سأبين. وحذف الفاعل للإيماء بأنّ دخول هؤلاء المتحزّبين عليهم ، ودخول غيرهم من العساكر ، سيّان في اقتضاء الحكم المرتّب عليه.
(ثُمَّ سُئِلُوا) عند ذلك الفزع وتلك الرجفة (الْفِتْنَةَ) الردّة إلى الكفر ومقاتلة المسلمين (لَآتَوْها) لأعطوها. وقرأ الحجازيّان بالقصر ، بمعنى : لجاؤها وفعلوها. (وَما تَلَبَّثُوا بِها) بالفتنة ، أو بإعطائها (إِلَّا يَسِيراً) ريثما يكون السؤال والجواب من غير توقّف. وقيل : ما لبثوا بالمدينة بعد الارتداد إلّا يسيرا ، فإنّ الله يهلكهم.
وتحرير المعنى : أنّهم يتعلّلون بإعوار بيوتهم ، ويتمحّلون ليفرّوا عن نصرة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والمؤمنين ، وعن مصافّة الأحزاب الّذين ملؤهم هولا ورعبا.
وهؤلاء الأحزاب كما هم لو كبسوا (٢) عليهم أرضهم وديارهم ، وعرض عليهم الكفر ، وقيل لهم : كونوا على المسلمين ، لسارعوا إليه ، وما تعلّلوا بشيء ، وما ذلك إلّا لمقتهم الإسلام ، وشدّة بغضهم لأهله ، وحبّهم الكفر وتهالكهم على حزبه.
(وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً (١٥) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا
__________________
(١) انثال عليه الناس من كلّ وجه : انصبّوا عليه.
(٢) كبسوا دار فلان : أغاروا عليها فجأة.