(وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا) تفرّقوا ولا تمكثوا (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) بعضكم بعضا. عطف على «ناظرين». أو مقدّر بفعل محذوف ، أي : ولا تدخلوا ولا تمكثوا مستأنسين.
(إِنَّ ذلِكُمْ) اللبث (كانَ يُؤْذِي النَّبِيَ) لتضيّق المنزل عليه وعلى أهله ، واشتغاله فيما لا يعنيه (فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ) من إخراجكم ، على تقدير المضاف (وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ) يعني : أنّ إخراجكم حقّ ، ما ينبغي أن يستحيا منه.
ولمّا كان الحياء انقباض النفس عن صدور القبيح ، وهذا المعنى ممتنع على الله تعالى ، فالحياء بمعنى الترك. وتسميته بالحياء هنا من باب المزاوجة. والمعنى : لا يترك إبانة الحقّ ترك الحيّي. وهذا أدب أدّب الله به الثقلاء.
روي : أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يطعم ومعه بعض أصحابه ، فأصابت يد رجل منهم يد عائشة ، وكانت معهم ، فكره ذلك. فنزلت آية الحجاب.
وهي هذه :(وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَ) إذا سألتم أزواج النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم (مَتاعاً) شيئا ينتفع به (فَسْئَلُوهُنَ) المتاع (مِنْ وَراءِ حِجابٍ) ستر (ذلِكُمْ) أي : سؤالكم إيّاهنّ المتاع من وراء الحجاب (أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَ) من الخواطر الشيطانيّة ، والهواجس النفسانيّة الّتي تدعو إلى ميل الرجال إلى النساء ، والنساء إلى الرجال.
وعن عائشة قالت : كنت آكل مع النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حيسا (١) في قعب ، فمرّ بنا عمر ، فدعاه فأكل ، فأصابت إصبعه إصبعي ، فقال : «حسّ (٢) لو أطاع فيكنّ ما رأتكنّ عين». فنزل الحجاب.
وعن مقاتل : إنّ طلحة بن عبيد الله قال : لئن قبض رسول الله لأنكحنّ عائشة.
وعن أبي حمزة الثمالي : إنّ رجلين قالا : أينكح محمّد نساءنا ، ولا ننكح
__________________
(١) الحيس : طعام مركّب من تمر وسمن وسويق. والقعب : القدح الضخم الغليظ.
(٢) حسّ : كلمة يقولها الإنسان إذا أصابه ما مضّه وأحرقه غفلة ، كالجمرة والضربة. النهاية لابن الأثير ١ : ٣٨٥.