وقوله تعالى : (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) كالعلّة له ، أي : ما أنا إلّا رجل مبعوث لإنذار المكلّفين عن الكفر والمعاصي ، سواء كانوا أعزّاء أو أذلّاء ، فكيف يليق بي طرد الفقراء لاستتباع الأغنياء؟ أو ما عليّ إلّا إنذاركم إنذارا بيّنا بالبرهان الواضح ، الّذي يتميّز به الحقّ من الباطل ، فلا عليّ أن أطردهم لاسترضائكم.
(قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ) لئن لم ترجع عمّا تقول (يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) من المضروبين بالحجارة ، أو من المشتومين.
(قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ) في وحيك ورسالتك. وهذا إظهار لما يدعو عليهم لأجله ، وهو تكذيب الحقّ ، لا تخويفهم له واستخفافهم عليه.
(فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً) من الفتاحة ، وهي الحكومة. والفتّاح : الحاكم ، لأنّه يفتح المستغلق. كما سمّي فيصل ، لأنّه يفصل بين الخصومات. (وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) من العذاب النازل على الكفرة ، ومن شؤم عملهم.
(فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ) في السفينة (الْمَشْحُونِ) المملوء. يقال : شحنت السفينة ملأتها. وشحنت البلد بالخيل ملأته. والفلك هنا واحد. وجمع في قوله تعالى : (وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ) (١). فالواحد على وزن قفل ، والجمع على وزن اسد.
(ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ) إنجائه حينئذ ومن معه (الْباقِينَ) الخارجين عن السفينة ، الكافرين به.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) شاعت وتواترت (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) في إهلاك قوم نوح بالغرق (الرَّحِيمُ) في إنجائه نوحا ومن معه في الفلك.
__________________
(١) النحل : ١٤.