ثمّ بيّن لرسوله أنّها قريبة الوقوع ، تهديدا للمستعجلين ، وإسكاتا للممتحنين ، فقال : (وَما يُدْرِيكَ) أيّ شيء يعلمك من أمر الساعة ومتى قيامها ، أي : أنت لا تعرفها (لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) أي : شيئا قريبا مجيئها. ويجوز أن يكون التذكير لأنّ الساعة في معنى اليوم.
(إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً) نارا شديدة الاتّقاد والالتهاب (خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا) يحفظهم (وَلا نَصِيراً) يدفع العذاب عنهم.
(يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) تصرف من جهة إلى جهة ، كاللحم الّذي يدور في القدر إذا غلت ، فترامى به الغليان من جهة إلى اخرى. أو تغيّر من حال إلى حال ، وهيئة إلى هيئة ، فتسودّ وتصفرّ ، وتصير كالحة بعد أن لم تكن. أو تطرح في النار مقلوبين منكوسين. وخصّت الوجوه بالذكر ، لأنّ الوجه أكرم موضع على الإنسان من جسده. ويجوز أن يكون الوجه عبارة عن الجملة.
وناصب الظرف (يَقُولُونَ). أو محذوف ، هو : اذكر. وإذا نصب بالمحذوف كان «يقولون» حالا ، أي : قائلين (يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ) فيما أمرنا به ونهانا عنه (وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) فيما دعانا إليه ، فلا نبتلى بهذا العذاب.
(وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا) فيما فعلناه (سادَتَنا وَكُبَراءَنا) يعنون قادتهم الّذين لقّنوهم الكفر وزيّنوه لهم. وقرأ ابن عامر ويعقوب : ساداتنا على جمع الجمع ، للدلالة على الكثرة. (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) بما زيّنوا لنا. يقال : ضلّ السبيل ، وأضلّه إيّاه. والألف لإطلاق الصوت ، جعلت فواصل الآي كقوافي الشعر. وفائدتها الوقف ، والدلالة على أنّ الكلام قد انقطع ، وأنّ ما بعده مستأنف. وقد مرّ اختلاف القرّاء فيه.
(رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ) مثلي ما آتيتنا منه ، ضعفا لضلالهم ، وضعفا لإضلالهم ، فإنّهم ضلّوا وأضلّوا (وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً) كثير العدد. وقرأ عاصم بالباء (١) ، أي : لعنا هو أشدّ اللعن وأعظمه.
__________________
(١) أي : كبيرا ، والقراءة الاخرى : كثيرا.