توجب الحمد والشكر عليها ، افتتح هذه السورة بالحمد له على نعمته وكمال قدرته ، فقال :
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) خلقا ونعمة. فله الحمد في الدنيا لكمال قدرته ، وعلى تمام نعمته (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ) لأنّ ما في الآخرة أيضا كذلك. وليس هذا من عطف المقيّد على المطلق ، لأنّ وصف ذاته بعد الحمد الأوّل بما يدلّ على أنّه المحمود بالنعم الدنيويّة قيّد الحمد بها.
وقال في الكشّاف : «لمّا قال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) ثمّ وصف ذاته بالإنعام بجميع النعم الدنيويّة ، كان معناه : أنّه المحمود على نعم الدنيا ، كما تقول : احمد أخاك الّذي كساك وحملك ، تريد : احمده على كسوته وحملانه. ولمّا قال : (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ) علم أنّه المحمود على نعم الآخرة ، وهو الثواب الدائمي» (١).
وتقديم الصلة في الثاني للاختصاص ، فإنّ النعم الدنيويّة قد تكون بواسطة من يستحقّ الحمد لأجلها ، ولا كذلك نعم الآخرة.
واعلم أنّ الحمد في الدنيا واجب ، لأنّه على نعمة متفضّل بها ، وهو الطريق إلى تحصيل نعمة الآخرة. والحمد في الآخرة ليس بواجب ، لأنّه على نعمة واجبة الإيصال إلى مستحقّها ، فإنّما هو تتمّة سرور المؤمنين ، وتكملة اغتباطهم ، يلتذّون به كما يلتذّ من به العطش الشديد بالماء البارد.
(وَهُوَ الْحَكِيمُ) الّذي أحكم أمور الدارين ، ودبّرها بحكمته (الْخَبِيرُ) ببواطن الأشياء.
ثمّ ذكر ممّا يحيط به علما بقوله : (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) ما يدخل فيها ، كالغيث ينفذ في موضع وينبع في آخر ، وكالكنوز والدفائن والأموات (وَما يَخْرُجُ مِنْها)
__________________
(١) الكشاف ٣ : ٥٦٦.