لإيجابه ، مؤكّدا بالقسم.
ثمّ وصف المقسم به بصفات تقرّر إمكان مجيئها ، وتنفي استبعاده ، بقوله : (عالِمِ الْغَيْبِ) وقرأ حمزة والكسائي : علّام الغيب ، للمبالغة. ونافع وابن عامر ورويس : عالم الغيب بالرفع ، على أنّه خبر محذوف ، أو مبتدأ خبره (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) أي : لا يبعد عنه. من العزوب ، وهو البعد.
يقال : روض عزيب : بعيد من الناس. وقرأ الكسائي : لا يعزب ، بالكسر. (وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) جملة مؤكّدة لنفي العزوب. ورفعهما بالابتداء. ويؤيّده القراءة بالفتح على نفي الجنس.
ولا يجوز عطف المرفوع على «مثقال» والمفتوح على «ذرّة» بأنّه فتح في موضع الجرّ ، لامتناع الصرف ، لأنّ الاستثناء يمنعه. اللهمّ إلا إذا جعل الضمير في «عنه» للغيب ، وجعل المثبت في اللوح خارجا عنه ، لظهوره على المطالعين له.
فيكون المعنى : لا ينفصل عن الغيب شيء إلّا مسطورا في اللوح.
وتنقيح المبحث : أنّ قيام الساعة من مشاهير الغيوب ، وأدخلها في الخفية ، فحين أقسم باسمه سبحانه على إثبات قيام الساعة ، وأنّه كائن لا محالة ، ثمّ وصف بأنّه عالم الغيب ، وأنّه لا يفوت علمه شيء من الخفيّات ، واندرج تحته إحاطته بوقت قيام الساعة ، فلأجل هذه الفائدة اختار لذاته هذه الصفة ، ولم يورد صفات اخرى مقامها.
وقوله : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) علّة لقوله : «لتأتينّكم» وبيان لما يقتضي إتيانها (أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) هنيء لا تنغيص فيه ولا تكدير ، ولا تعب فيه ، ولا منّ عليه.
ولمّا لم يقتصر على اليمين ، بل أتبعها الحجّة القاطعة ، والبيّنة الساطعة ، وهي قوله : «ليجزي» علّة لمجيء الساعة ، فقد وضع الله في العقول ، وركّب في الغرائز