والمسجد. (آيَةٌ) علامة دالّة على وجود الصانع ، وأنّه قادر على ما يشاء من الأمور العجيبة ، مجاز للمحسن والمسيء ، معاضدة للبرهان السابق ، كما في قصّتي داود وسليمان.
(جَنَّتانِ) بدل من «آية». أو خبر محذوف. تقديره : الآية جنّتان ، أي : العلامة الدالّة على الله وعلى قدرته وإحسانه ووجوب شكره جنّتان. أو المراد أنّه سبحانه جعل أهلهما لمّا أعرضوا عن شكره سبحانه عليهما ، فأبدلهما بالخمط (١) والأثل آية وعبرة لهم ليعتبروا ، فلا يعودوا إلى ما كانوا عليه من الكفر وغمط (٢) النعم. والمراد بـ «جنّتان» جماعتان من البساتين.
(عَنْ يَمِينٍ) جماعة عن يمين بلدهم (وَشِمالٍ) وجماعة عن شماله. كلّ واحدة من الجماعتين في تقاربها وتضامّها ، كأنّها جنّة واحدة. أو بستانا كلّ رجل منهم عن يمين مسكنه وعن شماله. كما قال : (جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ) (٣).
(كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ) قيل : هذا حكاية لما قال لهم أنبياء الله المبعوثون إليهم. أو لما قال لهم لسان الحال ، أو هم كانوا أحقّاء بأن يقال لهم ذلك.
ثمّ دلّ على موجب الشكر بجملة مستأنفة ، هي «بلدة طيّبة» ، أي : هذه البلدة الّتي فيها رزقكم (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) وربّكم الّذي رزقكم ، وطلب شكركم ، ربّ غفور فرطات من يشكره.
وعن ابن عبّاس : كانت أخصب البلاد وأطيبها ، ليست سبخة ، ولم يكن لها
__________________
(١) الخمط : كلّ شجر ذي شوك ، أو شجر الأراك ، أو كلّ نبت أخذ طعما من مرارة. والأثل : شجر من فصيلة الطرفائيّات ، يكثر قرب المياه في الأراضي الرمليّة.
(٢) أي : لم يشكرها.
(٣) الكهف : ٣٢.