قبل اختيارهم. ولهذا بنوا الإنكار على الاسم ، أعني : «نحن». كأنّهم قالوا : أنحن أجبرناكم وحلنا بينكم وبين كونكم ممكّنين مختارين ، بعد أن هممتم على الدخول في الإيمان ، وصحّت نيّاتكم في اختياره؟ بل أنتم منعتم أنفسكم حظّها ، وآثرتم الضلال على الهدى ، وأطعتم آمر الشهوة دون آمر النهى ، فكنتم مجرمين كافرين لاختياركم ، لا لقولنا وتسويلنا.
واعلم أنّ قوله : (يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) إلى هنا ، لمّا كان جيء بالجواب محذوف العاطف على طريقة الاستئناف ، فجيء بكلام آخر للمستضعفين ، وعطف على كلامهم الأوّل ، فقال :
(وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) إضراب عن إضرابهم. وإضافة المكر إلى الظرف على الاتّساع. والمعنى : ما كان الإجرام الصادّ عن الإيمان من جهتنا ، بل من جهة مكركم ليلا ونهارا ، حتّى غلبتم على رأينا.
(إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً) دعوتموننا دائما إلى أن نجعل له شركاء في العبادة ، ونجحد وحدانيّته.
(وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) أي : أضمر الفريقان الندامة على الضلال والإضلال ، وأخفاها كلّ عن صاحبه مخافة التعيير. أو أظهروها ، فإنّه من الأضداد ، إذ الهمزة تصلح للإثبات والسلب.
(وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : في أعناقهم. فجاء بالظاهر تنويها بذمّهم ، وإشعارا بموجب أغلالهم. وعن ابن عبّاس : غلوّا بها في النيران. (هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي : لا يفعل بهم ما يفعل إلّا جزاء على أعمالهم. وتعدية «يجزى» إمّا لتضمين معنى : يقضى ، أو بنزع الخافض.