(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) لأمر النبوّة كلّه ، أو للقرآن. والأوّل باعتبار معناه ، وهذا باعتبار لفظه وإعجازه. (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) ظاهر سحريّته.
وفي تكرير الفعل ، والتصريح بذكر الكفرة ، وما في اللامين من الإشارة إلى القائلين والمقول فيه ، وما في «لمّا» من المبادهة (١) إلى البتّ بهذا القول ، إنكار عظيم ، وتعجيب بليغ منه. كأنّه قال : أولئك الكفرة المتمرّدون بجرئتهم على الله ، ومكابرتهم لمثل ذلك الحقّ النيّر ، ما هذا إلّا سحر بيّن ، ظاهر على كلّ عاقل.
ثمّ أخبر سبحانه أنّهم لم يقولوا ذلك عن بيّنة ، فقال : (وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها) فيها برهان على صحّة الإشراك (وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) يدعوهم إليه ، وينذرهم على تركه ، كما قال عزوجل : (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ) (٢). فقد بان أن لا وجه لهم في الإشراك ، فمن أين حكموا بصحّته؟ وهذا في غاية التجهيل لهم ، والتسفيه لرأيهم.
ثمّ هدّدهم على تكذيبهم ، فقال : (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) كما كذّبوا (وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ) وما بلغ هؤلاء عشر ما آتينا أولئك من القوّة وطول العمر وكثرة المال. أو ما بلغ أولئك عشر ما آتينا هؤلاء من البيّنات والهدى. والمعشار بمعنى العشر ، كالمرباع بمعنى الربع.
(فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) فحين كذّبوا رسلي جاءهم إنكاري بالتدمير والاستئصال ، ولم يغن عنهم استظهارهم بما هم به مستظهرون ، فكيف كان نكيري لهم؟ فليحذر هؤلاء من مثله. ولا تكرير في «كذّب» ، لأنّ الأوّل للتكثير ، والثاني للتكذيب. أو الأوّل مطلق ، والثاني مقيّد. ولذلك عطف عليها بالفاء. ونظيره أن يقول القائل : فلان أقدم على الكفر فكفر بمحمد.
__________________
(١) المبادهة : المفاجأة والمباغتة.
(٢) الروم : ٣٥.