على البدل أو البيان ، أو الرفع بإضمار : هو ، أو النصب بإضمار : أعني.
(مَثْنى وَفُرادى) متفرّقين اثنين اثنين ، وواحدا واحدا ، فإنّ الازدحام ممّا يشوّش الخاطر ، ويخلّط القول ، ويثير عجاج التعصّب. (ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) في أمر محمّد وما جاء به.
أمّا الاثنان : فيتفكّران ويعرض كلّ واحد منهما محصول فكره على صاحبه ، وينظران فيه نظر متصادقين متناصفين ، لا يميل بهما اتّباع هوى ، ولا ينبض لهما عرق عصبيّة ، حتّى يهجم بهما الفكر الصالح والنظر الصحيح على جادّة الحقّ وسننه.
وأمّا المتفرّد فيفكّر في نفسه بعدل ونصفة ، من غير أن يكابرها ، ويعرض فكره على عقله وذهنه ، وما استقرّ عنده من عادات العقلاء ومجاري أحوالهم.
فعند ذلك تعلموا (ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ) ما به من جنون يحمله على ذلك ، بل تعلموا عند تفكّركم في أمره أنّه أرجح قريش عقلا ، وأرزنهم (١) حلما ، وأثقبهم ذهنا ، وأصدقهم قولا ، وأنزههم نفسا. كيف وقد انضمّ إليه معجزات كثيرة.
ويجوز أن يكون هذا كلاما مستأنفا ، تنبيها من الله على طريقة النظر في أمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وقيل : «ما» استفهاميّة. والمعنى : ثمّ تتفكّروا أيّ شيء به من آثار الجنون.
(إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) قدّامه ، لأنّه مبعوث في نسم الساعة ، حيث
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «بعثت في نسم (٢) الساعة».
(قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ) أيّ شيء سألتكم من أجر الرسالة (فَهُوَ لَكُمْ).
__________________
(١) أي : أوقرهم. من : رزن رزانة : وقر.
(٢) نسم الريح : أوّلها حين تقبل بلين قبل أن تشتدّ. و «بعثت في نسم الساعة» أي : حين ابتدأت وأقبلت أوائلها.