بمقتضى مشيئته ، ومؤدّى حكمته ، لا أمر تستدعيه ذواتهم ، لأنّ اختلاف الأصناف والأنواع بالخواصّ والفصول ، إن كان لذواتهم المشتركة ، لزم تنافي لوازم الأمور المتّفقة ، وهو محال.
والآية متناولة زيادات الصور والمعاني ، كملاحة الوجه ، وحسن الصوت ، وحصافة (١) العقل ، وسماحة النفس ، وقوّة البطش ، وجزالة الرأي ، وجرأة القلب ، وذلاقة (٢) اللسان ، وما أشبه ذلك ممّا لا يحيط به الوصف.
وروي عنه عليهالسلام في قوله : (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) : «الوجه الحسن ، والصوت الحسن ، والشعر الحسن».
وقيل : الخطّ الحسن. وعن قتادة : هو الملاحة في العينين. والأولى التعميم.
(إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وتخصيص بعض الأشياء بالتحصيل دون بعض ، إنّما هو من جهة الإرادة.
(ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ) ما يطلق لهم ويرسل. وهو تجوّز من باب إطلاق السبب على المسبّب. (مِنْ رَحْمَةٍ) رزق ، وأمن ، وصحّة ، وعلم ، ونبوّة ، وغير ذلك من صنوف نعمائه الّتي لا يحاط بعددها. وتنكير الرحمة للإشاعة والإبهام ، كأنّه قال : من أيّة رحمة كانت ، سماويّة أو أرضيّة. (فَلا مُمْسِكَ لَها) فلا أحد يقدر على إمساكها وحبسها.
(وَما يُمْسِكْ) وأيّ شيء يمسك الله (فَلا مُرْسِلَ لَهُ) فلا أحد يقدر على إطلاقه. ويدلّ على أنّ الفتح مستعار للإطلاق والإرسال أنّه قال : فلا مرسل له من بعده ، مكان : لا فاتح له. واختلاف الضميرين ، لأنّ الموصول الأوّل مفسّر بالرحمة ، فحسن اتّباع الضمير التفسير ، والثاني مطلق يتناولها والغضب ، فترك على أصل
__________________
(١) حصف حصافة : كان جيّد الرأي محكم العقل.
(٢) لسان ذلق : طلق ذو حدّة.