شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ).
ثمّ كشف الغطاء ، وقشر اللحاء ، ليقطع الأطماع الفارغة والأماني الكاذبة ، فبنى الأمر كلّه على الإيمان والعمل وتركهما ، بعد أن ذكر الفريقين : الّذين كفروا والّذين آمنوا ، فقال لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم :
(أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) بأن غلب وهمه وهواه على عقله ، حتّى انتكس رأيه (فَرَآهُ حَسَناً) فرأى الباطل حقّا ، والقبيح حسنا ، كمن لم يزيّن له ، بل وفّق بعد استرشاده واستصوابه ، حتّى عرف الحقّ ، واستحسن الأعمال واستقبحها على ما هي عليه. فحذف الجواب ، لأنّه دلّ عليه قوله : (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ).
ومعنى تزيين العمل والإضلال واحد ، وهو أن يكون العاصي على صفة لا تجدي عليه المصالح ، من الإنكار والجحود واللجاج ، بعد ظهور الحقّ عليه ، حتّى يستوجب بذلك خذلان الله تعالى وتخليته وشأنه ، فعند ذلك يهيم في الضلال ، ويطلق آمر النّهى (١) ، ويعتنق طاعة الهوى ، حتّى يرى القبيح حسنا والحسن قبيحا ، كأنّما غلب على عقله ، وسلب تمييزه.
وقيل : تقديره : أفمن زيّن له سوء عمله ، ذهبت نفسك عليهم حسرات؟ فحذف الجواب لدلالة (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) عليه. ومعناه : فلا تهلك نفسك عليهم للحسرات على غيّهم وإصرارهم على التكذيب.
والفاءات الثلاث للسببيّة ، غير أنّ الأوليين دخلتا على السبب ، والثالثة دخلت على المسبّب.
وجمع الحسرات للدلالة على تضاعف اغتمامه على أحوالهم ، أو على كثرة مساوي أفعالهم المقتضية للتأسّف.
__________________
(١) النّهي : العقل. سمّي به لأنّه ينهى عن القبيح وعن كلّ ما ينافي العقل.