ثمّ نعى الله سبحانه على قريش سوء تلقّيهم لآيات الله ، وتكذيبهم بها ، وسلّى رسوله بأنّ له في الأنبياء أسوة حسنة. ثمّ جاء بما يشتمل على الوعد والوعيد ، من رجوع الأمور إلى حكمه ، ومجازاة المكذّب والمكذّب بما يستحقّانه ، فقال :
(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) أي : فتأسّ بهم في الصبر على تكذيبهم. فوضع «فقد كذّبت» موضعه ، استغناء بالسبب عن المسبّب ، أعني : بالتكذيب عن التأسّي.
وتنكير «رسل» للتعظيم المقتضي زيادة التسلية ، والحثّ على المصابرة. كأنّه قال : فقد كذّبت رسل ، أي : رسل ذو عدد كثير ، وأولو آيات ونذر ، وأهل أعمار طوال ، وأصحاب صبر وعزم ، وما أشبه ذلك. فهذا أسلى له ، وأحثّ على المصابرة.
(وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) فيجازيك وإيّاهم على الصبر والتكذيب.
ثمّ خاطب العباد فقال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بالحشر ، والجزاء بالثواب والعقاب (حَقٌ) لا خلف فيه (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) فلا يخدعنّكم الدنيا ، ولا يذهلنّكم التمتّع بها ، والتلذّذ بمنافعها عن العمل للآخرة ، وطلب ما عند الله والسعي لها.
(وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) الشيطان الّذي عادته أن يغرّكم ، بأن يمنّيكم المغفرة ، مع الإصرار على المعصية ، فيقول لكم : إنّ الله غفور ، يغفر كلّ كبير وصغير ، ويعفو عن كلّ خطيئة ، فإنّها وإن أمكنت ، لكنّ الذنب بهذا التوقّع كتناول السمّ اعتمادا على دفع الطبيعة.
ثمّ حذّرهم عن الشيطان بقوله : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ) عداوة قديمة عامّة (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) في عقائدكم وأفعالكم ، وونوا على حذر منه في مجامع أحوالكم (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ).
ثمّ وعد لمن أجاب دعاءه ، ووعّد لمن خالفه ، فقال : (الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ