وعلى هذه الروايات كان ذلك صفة القوم الّذين همّوا بقتل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وإضافة ذلك إلى الله سبحانه كان على الحقيقة. والمعنى : جعلنا أيديهم إلى أعناقهم ، فلا يستطيعون أن يبسطوا إليه يدا. وجعلنا من بين أيدي أولئك الكفّار منعا ، ومن خلفهم منعا ، حتّى لم يبصروا النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وقيل : المراد به وصف حالهم يوم القيامة. فهو مثل قوله : (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) (١). وإنّما ذكر بلفظ الماضي لتحقّق وقوعه.
(وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) سبق تفسيره في البقرة (٢).
ولمّا أخبر سبحانه عن أولئك الكفّار أنّهم لا يؤمنون ، وأنّه سواء عليهم الإنذار وترك الإنذار ، عقّبه بذكر حال من ينتفع بالإنذار ، فقال :
(إِنَّما تُنْذِرُ) إنذارا يترتّب عليه البغية المرومة ، لا الإنذار المطلق ، لأنّه قد حصل للجميع (مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) أي : القرآن ، بالتأمّل فيه والعمل به (وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) وخاف عقابه قبل حلول ما غاب عنه ومعاينة أهواله. أو في سريرته. ولا يغترّ برحمته ، فإنّه كما هو رحمان منتقم قهّار. (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ) من الله لذنوبه (وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) وثواب خالص من شوائب النقص.
(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) الأموات بالبعث. وقيل : الجهّال بالهداية. (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا) ما أسلفوا من الأعمال الصالحة والطالحة (وَآثارَهُمْ) الحسنة ، كعلم علّموه ، أو كتاب صنّفوه ، أو حبيس وقفوه ، كبناء مسجد أو رباط أو قنطرة ، أو نحو ذلك. أو سنّة حسنة بعدهم يقتدى فيها بهم. أو آثارهم السيّئة ، كوظيفة وظّفها بعض الظلّام على المسلمين ، أو شيء صادّ عن ذكر الله ، وإشاعة باطل ، وتأسيس ظلم.
وقيل : معناه : ونكتب خطاهم إلى المساجد ، لما رواه أبو سعيد الخدري : أنّ
__________________
(١) غافر : ٧١.
(٢) راجع ج ١ ص ٥٥ ، ذيل الآية (٦) من سورة البقرة.