وما المرء إلّا كالشهاب وضوئه |
|
يحور (١) رمادا بعد إذ هو ساطع |
روي : أنّهم لمّا قتلوا حبيب النجّار غضب الله عليهم ، فبعث جبرئيل حتّى أخذ بعضادتي باب المدينة ، ثمّ صاح بهم صيحة فماتوا عن آخرهم ، لا يسمع لهم حسّ ، كالنار إذا طفئت.
واعلم أنّ الله سبحانه أجرى هلاك كلّ قوم على بعض الوجوه ، بناء على ما اقتضته الحكمة ، وأوجبته المصلحة. ألا ترى إلى قوله : (فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا) (٢).
ثمّ نادى الحسرة عليهم بقوله : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) كأنّه قيل للحسرة : تعالي فهذه الحالة من الأحوال الّتي من حقّها أن تحضري فيها. وهي ما دلّ عليها قوله : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) فإنّ المستهزئين بالناصحين المخلصين ـ المنوط بنصحهم خير الدارين ـ أحقّاء بأن يتحسّر عليهم المتحسّرون ، ويتلهّف على حالهم المتلهّفون. أو هم متحسّر عليهم من جهة الملائكة. ويجوز أن يكون تحسّرا من الله عليهم على سبيل الاستعارة ، لتعظيم ما جنوه على أنفسهم.
(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (٣١) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٣٢) وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (٣٣) وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (٣٤) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ
__________________
(١) أي : ينقص فيرجع رمادا.
(٢) العنكبوت : ٤٠.